الفيض الجاري بشرح صحيح الإمام البخاري

باب ما يلبس المحرم من الثياب والأردية والأزر

          ░23▒ (بَابُ مَا يَلْبَسُ): بفتح أوله وثالثه، والأولى جعل ((ما)) موصولاً اسمياً (الْمُحْرِمُ): أي: بأحدِ النُّسكين؛ أي: بيان ما يجوز له لبسه (مِنَ الثِّيَابِ وَالأَرْدِيَةِ وَالأُزُرِ): جمع: ثوب ورداء وإزار، وعطف الأخيرين على ((الثياب)) من عطف الخاصِّ على العام؛ فإن الأُزُر _بضم الزاي، وضبطها في ((اليونينية)) بالسكون_ اسم ما يُلبَس على النصفِ الأسفل، والأرديةُ: لما يلبسُ على الأعلى.
          وهذه الترجمة مغايرةٌ لما لا يلبسُ المحرم من الثياب؛ لأن تلك معقودةً لما لا يلبس من أجناس الثياب، وهذه لما يلبسُ من أنواعها، قاله في ((الفتح))، فتأمَّله.
          (وَلَبِسَتْ): بكسر الموحدة (عَائِشَةُ): أي: الصديقية (♦ الثِّيَابَ الْمُعَصْفَرَةَ): أي: المصبوغةَ بالعصفر (وَهْيَ مُحْرِمَةٌ): وصل هذا التعليق بسندٍ صحيحٍ سعيد بن منصور، وكذا البيهقي، لكن قيَّده بالعصفرِ الخفيف، وفيه دليلٌ للجمهورِ القائلين بجوازِ لبسِ المعصفر؛ لأنه كما تقدَّم في باب الطِّيب عند الإحرام أنه ليس من الطِّيبِ.
          وعن أبي حنيفة كما في ((الفتح)): العُصْفرُ طِيبٌ وفيه الفديةُ، قال: واحتجَّ بأن عمر كان ينهَى عن الثِّياب المصبغة، وتعقَّبه ابنُ المنذر: بأن عمر كرهَ ذلك لئلا يقتدِي به الجاهلُ فيظنُّ جواز لبس المورس والمزعفر.
          (وَقَالَتْ): أي: عائشة مما وصله البيهقيُّ (لاَ تَلَثَّمْ): أي: المرأة، من اللِّثام _بالمثلثة_ وهو ما يُغطَّى به الشَّفة من الثوب، بتشديد المثلثة وفتح اللام وأوله مثناة فوقية واحدة وحذفت مثلها للتخفيف، ولأبي ذرٍّ: <لا تَلْتثم> بسكون اللام وتخفيف المثلثة وزيادة مثناة فوقية قبلها مفتوحة، وعليهما: فهو مجزومٌ على أن ((لا)) ناهية ويجوز الرفع على أن ((لا)) نافية، وهو الموجودُ في أصولٍ كثيرة، وعزاهُ القسطلاني لغير الفرع، فتأمَّل.
          (وَلاَ تَتَبَرْقَعْ): بمثناتين والجزم على ما في الفرع، والذي في غيره: <ولا تبرقع> بحذف إحدى التاءين تخفيفاً من البرقع، وهو ما يُغطَّى به الوجه، وفيه الرفع والجزم على ما سبقَ (وَلاَ تَلْبَسْ): بفتح الموحدة والجزم والرفع (ثَوْباً بِوَرْسٍ): بسين مهملة وسكون الراء، وكسرها أبو ذرٍّ في رواية؛ أي: مصبوغاً به (وَلاَ زَعْفَرَانٍ).
          تنبيه: سقط هذا التعليق كلُّه لأبي الوقت وكذا للحموي على ما في ((الفتح))، وروى ابنُ أبي شيبة في ((مصنفه)) عن الحسن وعطاء: قالا: لا تلبس / المحرمةُ القُفَّازين والسَّراويل ولا تبرقِع ولا تلثُم، وتلبس ما شاءت من الثِّياب إلا ثوباً ينفض عليها ورساً أو زعفراناً.
          (وَقَالَ جَابِرٌ): أي: ابن عبد الله الصَّحابي ☺، وصله مسدَّد (لاَ أَرَى الْمُعَصْفَرَ طِيْبَاً): يعني مطيباً؛ لأن المعنى لا يخبر به عن العينِ، ووصل هذا التَّعليق الشافعيُّ ومسدد بلفظ: ((لا تلبسُ المرأة ثياب الطِّيبِ ولا أرى المعصفرَ طيباً)).
          (وَلَمْ تَرَ): مجزوم بحذف الألف (عَائِشَةُ): ♦ (بَأْساً بِالْحُلِيِّ): بضم الحاء المهملة وكسر اللام وتشديد التحتية، جمع: حَلْي، بفتح الحاء وسكون اللام (وَالثَّوْبِ الأَسْوَدِ): ومثله الأزرق (وَالْمُوَرَّدِ): بتشديد الراء المفتوحة؛ أي: المصبوغ بلونِ الوردِ (وَالْخُفِّ لِلْمَرْأَةِ): وسيأتي موصولاً في باب طوافِ النساء سوى قوله: ((والخف))، فوصله ابنُ أبي شيبة ووصله البيهقيُّ من طريق ابن باباه المكي: أنَّ امرأةً سألتْ عائشة: ما تلبسُ المرأة في إحرامها؟ قالت: تلبسُ من خزِّها وبَزِّها وأصْباغِها وحُلِيِّها.
          (وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ): أي: النَّخعي مما وصله سعيدُ بن منصُور وابن أبي شيبة (لاَ بَأْسَ أَنْ يُبْدِلَ): بضم حرف المضارعة وسكون الموحدة وتخفيف الدال المهملة مضارع أبدل، ولأبي الوقت: <أن يبَدِّل ثيابه> بفتح الموحدة وتشديد المهملة؛ أي: أن يغيِّر (ثِيَابَهُ): أي: فيلبس غيرها، ولا فديةَ عليه حين كانت تجوز له، وذلك الأزرُ والأرديةُ والنعال.
          وهذا الحكمُ لا يختصُّ بإبراهيم، فلم اقتصر عليه البخاري مع أنه يوهمُ أن غيره لا يجيزه؟ ويحتملُ أن يريد مطلق الثياب حتى ما جازتْ له للحاجة، ووصلهُ سعيد بنُ منصور عن إبراهيم بلفظ: كان أصحابنا إذا أتوا بئرَ ميمون اغتسَلوا ولبسُوا أحسنَ ثيابهم فدخلوا فيها مكة.
          قال فقهاؤنا: ولا يكرهُ للمحرمِ غسل رأسهِ وبدنه بخطميٍّ ونحو ذلك، نعم، الأولى تركه ما لم يفحشْ وسخُه، ويُكره الاكتحال بنحو إثمدٍ لا طيبَ فيه لغير عذرٍ، ومقالة إبراهيم هذه ساقطةٌ في رواية الأربعة.