نجاح القاري لصحيح البخاري

حديث: أول ما بدي به رسول الله الرؤيا

          -(بابٌ) بالتنوين بدون ترجمة، وهو ساقطٌ في رواية غير أبي ذرٍّ.
          4953- 4954- (حَدَّثَنَا يَحْيَى) هو: يحيى بن عبد الله بن بكير المخزومي المصري، وينسبُ إلى جدِّه غالبًا، وذكر هنا مجردًا، وفي بعض النُّسخ: <يحيى بن بُكير>، قال: (حَدَّثَنَا اللَّيْثُ) هو: ابنُ سعد الإمام، المصري (عَنْ عُقَيْلٍ) بضم العين، هو: ابنُ خالدٍ الأيلي (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) محمَّد بن مسلم الزُّهري (ح) تحويلٌ من سندٍ إلى آخر.
          قال المؤلِّف: (وَحَدَّثَنِي) بالإفراد، وقد سقطت الواو في رواية غير أبي ذرٍّ (سَعِيدُ بْنُ مَرْوَانَ) قد ساق البخاري المتن بالإسناد الأوَّل في أوَّل الكتاب [خ¦3]، وساق في هذا الباب المتن بالإسناد الثَّاني، وسعيد بن مروان هذا هو أبو عثمان البغدادي نزيل نيسابور من طبقة البخاريِّ، وشاركه في الرِّواية عن أبي نُعيم وسلمان بن حرب ونحوهما، وليس له في البخاريِّ سوى هذا الموضع، ومات قبل البخاري بأربع سنين، ولهم شيخٌ آخر، يُقال له: أبو عثمان سعيد بن مروان الرَّهاوي، حدَّث عنه أبو حاتم وابن وارة (1) وغيرهما، وفرق بينهما البخاري في «التاريخ»، ووهم من زعم أنَّهما واحدٌ، وآخرهم الكرماني، كذا قال الحافظ العسقلانيُّ.
          وقال العيني: قال الكرماني: وسعيد بن مروان الرَّهَاوِي _بفتح الراء وخفة الهاء وبالواو_ البغدادي، مات سنة ثنتين وخمسين ومائتين.
          قلت الكرماني تبع في ذلك صاحب «رجال الصحيحين» فإنَّه قال: سعيد بن مروان أبو عثمان الرَّهاوي ثمَّ البغدادي، سمع محمد بن عبد العزيز بن أبي رِزْمة، روى عنه / البخاريُّ في تفسير {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] وقال: مات بنيسابور يوم الاثنين النصف من شعبان سنة اثنتين وخمسين ومائتين، وصلَّى عليه محمَّد بن يحيى، وهذا ينادي بأعلى صوته: إنَّ الصَّواب مع الكرماني، ومع من قال بقوله، فليتأمَّل.
          (حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ أَبِي رِزْمَةَ) بكسر الراء وسكون الزاي، واسم أبي رِزْمة: غزوان، وهو أيضًا مروزيٌ من طبقة أحمد بن حنبل، فهو من الطَّبقة الوسطى من شيوخ البخاريِّ، ومع ذلك حدَّث عنه بواسطةٍ، وليس له عنده إلَّا هذا الموضع، وقد حدَّث عنه أبو داود بلا واسطةٍ، مات سنة إحدى وأربعين ومائتين.
          قال: (أَخْبَرَنَا أَبُو صَالِحٍ سَلْمُوْيَه (2)) هو: سليمان بن صالح اللَّيثي المروزيُّ، ويُلَّقب سَلَمُويه _بفتح السين المهملة وفتح اللام وسكونها وضم الميم_ ويُقال: اسم أبيه داود، وهو من طبقة الرَّاوي عنه من حيث الرواية، إلَّا أنَّه تقدَّمت وفاته، وكان من أخصَّاء عبد الله بن المبارك والمكثرين عنه، وقد أدركه البخاري بالسِّنِّ؛ لأنَّه مات سنة عشر ومائتين، وما له أيضًا في البخاري سوى هذا الحديث.
          (قَالَ: حَدَّثَنِي) بالإفراد (عَبْدُ اللَّهِ) هو: ابنُ المبارك المروزي، الإمام المشهور (عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ) من الزِّيادة، الأيلي (قَالَ: أَخْبَرَنِي) بالإفراد (ابْنُ شِهَابٍ) الزُّهري. وهذا من الغرائب؛ لأنَّ البخاري نزل في هذا الإسناد درجتين؛ لأنَّه كثيرًا يروي عن ابن المبارك بواسطة شخصٍ واحد، مثل: عبدان وغيره، وهاهنا روى عنه بثلاث وسائط (أَنَّ عُرْوَةَ ابْنَ الزُّبَيْرِ) أي: ابن العوَّام ☺ (أَخْبَرَهُ: أَنَّ عَائِشَةَ) ♦ (زَوْجَ النَّبِيِّ صلعم قَالَتْ) واللفظ للسَّند الثَّاني.
          قال النَّووي: هذا من مراسيل الصَّحابة؛ لأنَّ عائشة ♦ لم تُدرك هذه القصَّة، فتكون سمعتها من النَّبي صلعم أو من صحابي. قال الحافظ العسقلاني: وتعقَّبه من لم يفهم مراده فقال: إذا كان يجوز أنَّها سمعتها من النَّبي صلعم فكيف يُجزم بأنَّها من المراسيل؟.
          والجواب: أنَّه مرسل الصَّحابي ما يرويه / من الأمور الَّتي لم يُدرك زمانها بخلاف الأمور الَّتي يُدرك زمانها، فإنَّها لا يُقال: إنَّها مرسلةٌ، بل يحمل على أنَّه سمعها أو حضرها ولو لم يُصرِّح بذلك.
          ولا يختصُّ هذا بمرسل الصَّحابيِّ، بل التَّابعي إذا ذكر قصَّةً لم يحضرها سُمِّيت مرسلةً، ولو جاز في نفس الأمر أن يكون سمعها من الصَّحابي الَّذي وقعت له تلك القصَّة، وأمَّا الأمور التي يُدركها فيُحمل على أنَّه سمعها أو حضرها، لكن يشترط أن يكون سالمًا من التَّدليس.
          ويؤيِّد أنَّ عائشة ♦ سمعت ذلك من النَّبي صلعم قولها في أثناء هذا الحديث: فجاءه الملك فقال: اقرأ، فقال رسول الله صلعم : ((ما أنا بقارئ فأخذني)) إلى آخره فقوله: قال: ((فأخذني فغطني)) ظاهر في أنَّ النَّبي صلعم أخبرها بذلك، فيحمل بقيَّة الحديث عليه.
          (كَانَ أَوَّلُ مَا بُدِئَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلعم الرُّؤْيَا الصَّادِقَةُ فِي النَّوْمِ) زاد في رواية عقيل كما تقدم في «بدء الوحي» [خ¦3]: ((من الوحي)) أي: أوَّل المبتدآت من إيجاد الوحي الرُّؤيا. وأمَّا مطلق ما يدلُّ على نبوته فتقدَّمت له أشياء مثل تسليم الحجر، كما ثبت في «صحيح مسلم» وغير ذلك. و«ما» في الحديث نكرةٌ موصوفةٌ؛ أي: أوَّل شيءٍ، ووقع صريحًا في حديث ابن عبَّاس ☻ عند ابن عائذ.
          ووقع في مرسل عبد الله بن أبي بكر بن حزم عند الدُّولابي ما يدلُّ على أنَّ الَّذي كان يراه صلعم هو جبريل ◙، ولفظه: أنَّه قال لخديجة ♦ بعد أن أقرأهُ جبريل ◙: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق:1]: ((أرأيتك الَّذي كنتُ أُحدِّثك أنِّي رأيته في المنام، فإنَّه جبريل استعلن)).
          وقوله: ((الصَّادقة))، وفي «بدء الوحي» [خ¦3]: ((الصالحة)). قال ابن المرابط: هي الَّتي ليست ضِغثًا، ولا من تلبيس الشَّيطان، ولا فيها ضربٌ مثل مشكل. وتعقِّب الأخير بأنَّه إن أرادَ بالمشكل ما لا يُوقف على تأويلهِ فمسلَّمٌ وإلَّا فلا. وقوله: ((في النَّوم)) تأكيدٌ وإلَّا فالرؤيا مختصَّةٌ بالنَّوم. وقوله: ((من الوحي))، قال الحافظُ العسقلاني: يعني إليه، انتهى؛ يعني: أنَّ صلة الوحي محذوفةٌ وهي إليه فلا وجه لما قاله العيني / من أنَّه لا أدري ما وجه عدوله عن معنى من إلى معنى: إلى، بل هذه من البيانيَّة تبيِّن أنَّ ما بُدئ به من الوحي كذا وكذا، وذلك إخبارٌ عمَّا رآه من دَلائل نبوَّته.
          وأوَّل ذلك مطلقًا ما سمعه من بحيرا الرَّاهب، وهو عند التِّرمذي بإسنادٍ قويٍّ عن أبي موسى ☺، ثمَّ ما سمعه عند بناء الكعبة قيل له: اشدد عليك إزارك.
          وهو في «صحيح البخاري» من حديث جابرٍ ☺، وكذلك تسليم الحجر وهو عند مسلمٍ من حديث جابر بن سَمُرة ☺. وإنَّما ابتدئ بالرُّؤيا؛ لئلَّا يفجأه الملك، ويأتيه تصريح النُّبوَّة بغتةً فلا تحتملها القوى البشريَّة، فبُدئ بتباشير الكرامة، وصدق الرُّؤيا استئناسًا.
          (فَكَانَ لاَ يَرَى رُؤْيَا إِلاَّ جَاءَتْ) مجيئًا (مِثْلَ فَلَقِ الصُّبْحِ) شبه ما جاءهُ في اليقظة، ووجدَه في الخارج طبقًا لما رآه في المنام بالصُّبح في إنارته ووضوحهِ؛ يعني: إنَّ شمس النُّبوَّة قد كانت مبادئ أنوارها الرُّؤيا إلى أن ظهرت أشعتها وتمَّ نورها.
          والفلق: الصُّبح لكنَّه لما كان استعماله في هذا المعنى وغيره، أضيف إليه للتَّخصيص والبيان إضافة العامِّ إلى الخاص.
          وقال الطِّيبي: للفلق شأنٌ عظيم، ولذلك جاء وصفًا لله تعالى في قوله: {فالق الإصباح} [الأنعام:96] وأمر بالاستعاذة بربِّ الفلق؛ لأنَّه ينبئ عن انشقاقِ ظلمة عالم الشَّهادة، وطلوع تباشير الصُّبح بظهورِ سلطان الشَّمس وإشراقها الآفاق كما أنَّ الرُّؤيا الصَّالحة مبشِّرات تنبئُ عن وجود أنوار عالم الغيب، وآثار مطالع الهدايات.
          (ثُمَّ حُبِّبَ إِلَيْهِ الْخَلاَءُ) بالمدِّ المكان الخالي، ويُطلق على الخلوة؛ أي: الاختلاء، وهو المراد هنا، وإنَّما حُبب إليه الخلاء؛ لأنَّ فيه فراغَ القلب والانقطاع عن الخلق، وهو شأن الصَّالحين، ودأبُ العارفين، وهذا ظاهرٌ في أنَّ الرُّؤيا الصَّادقة كانت قبل أن يُحبَّب إليه الخلاء، ويحتمل أن يكون لترتيب الأخبار، فيكون تحبيبُ الخلاء سابقًا على الرُّؤيا الصَّادقة، والأوَّل أظهر.
          (فَكَانَ يَلْحَقُ) بفتح الحاء بعد اللام الساكنة آخره قاف، كذا في هذه الرِّواية، وتقدَّم في «بدء الوحي» [خ¦3] بلفظ: ((فكان يخلو)) وهو أوجه. وفي رواية عُبيد بن عمير عند ابن إسحاق: ((فكان يجاور)) (بِغَارِ حِرَاءٍ) بالصَّرف على إرادة المكان جبلٌ على يسار / الذَّاهب إلى منى (فَيَتَحَنَّثُ فِيهِ) بالحاء المهملة ثم النون ثم المثلثة، وقد فسَّره في الحديث بأنَّه التَّعبُّد(3) .
          (قَالَ) الظَّاهر أنَّ القائل: هو عروة أو من دونه من الرُّواة، ويحتمل أن يكون من قول الزُّهري أدرجه في الحديث، وذلك من عادته فهو مدرجٌ، إذ لو كانت من كلام عائشة ♦ لجاء فيه قالت: (وَالتَّحَنُّثُ) هو (التَّعَبُّدُ) ولم يأت التَّصريح بصفة التَّعبُّد. لكن في رواية عبيد بن عُمير عند ابن إسحاق: ((فيُطعم من يَرِد عليه من المساكين)).
          وجاء عن بعض المشايخ: أنَّه كان يتعبَّد بالتَّفكُّر، ويحتمل أن تكون عائشة ♦ أطلقت على الخلوة بمجرَّدها تعبُّدًا، فإنَّ الانعزال عن النَّاس، ولاسيَّما من كان على باطلٍ من جملة العبادة كما وقع للخليل ◙ حيث قال: {إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي} [الصافات:99].
          (اللَّيَالِيَ ذَوَاتِ الْعَدَدِ) أطلق اللَّيالي، وأريد بها اللَّيالي مع أيَّامها على سبيل التَّغليب؛ لأنَّها أنسبُ للخلوة، ووصفُ اللَّيالي بذوات العدد؛ لإرادة التَّقليل كما في قوله تعالى: {دَرَاهِمَ مَعْدُودَةٍ} [يوسف:20]. وفي رواية ابن إسحاق: ((أنَّه كان يعتكف فيه شهر رمضان)). وقال التُّوربشتي: قولها «اللَّيالي ذوات العدد» يتعلَّق بيتحنَّث لا بالتعبُّد، ومعناه: يتحنَّث الليالي.
          (قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَهْلِهِ) يعني: خديجة ♦ وأولاده منها، وقد سبق في «تفسير سورة النور» [خ¦4750] في الكلام على حديث الإفك تسمية الزَّوجة: أهلًا، ويحتمل أن يريد: أقاربه أو أعم. وفي الرِّواية المتقدِّمة: ((قبل أن ينزع إلى أهله)). ورواه مسلمٌ كذلك يُقال: نزع إلى أهله: إذا حنَّ إليهم فرجع إليهم (وَيَتَزَوَّدُ لِذَلِكَ) أي: التَّعبُّد أو الخلوة (ثُمَّ يَرْجِعُ إِلَى خَدِيجَةَ) خصَّ خديجة بالذِّكر بعد أن عبَّر بالأهل إمَّا تفسيرًا بعد إيهام، وإمَّا إشارة إلى اختصاص التَّزوُّد بكونه من عندها دون غيرها (فَيَتَزَوَّدُ بِمِثْلِهَا) كذا في رواية الكُشميهني بالموحدة، وفي رواية أبي ذرٍّ عن الحمويي والمستملي: <لمثلها> باللام بدل الموحدة، والضَّمير فيه لليالي أو الخلوة، أو العبادة، أو المرَّة السَّابقة.
          والتَّزوُّد: اتِّخاذ الزَّاد، ولا يقدح ذلك في التَّوكُّل؛ لوجوب السَّعي في إبقاء النَّفس بما يبقيه، ثمَّ يحتمل أن يكون المراد أنَّه يتزوَّد ويخلو أيامًا، ثمَّ يرجعُ ويتزوَّد ويخلو أيامًا ثم يرجع ويتزود ويخلو أياماً إلى أن ينقضيَ الشَّهر، ويحتمل أن يكون المراد أنَّه يتزوَّد لمثلها إذا حال الحول، وجاء ذلك الشَّهر الَّذي جرت عادته / أن يخلو فيه، وهذا أظهرُ، ويؤخذُ منه إعداد الزَّاد للمختلي إذا كان بحيث يتعذَّر عليه تحصيلُه؛ لبعد مكان اختلاءه من البلد مثلًا، وأنَّ ذلك لا يقدح في التَّوكُّل، وذلك لوقوعه من النَّبي صلعم بعد حصول النُّبوَّة له بالرُّؤيا الصَّالحة، وإن كان الوحي في اليقظة قد تراخى عن ذلك.
          (حَتَّى فَجِئَهُ الْحَقُّ) بكسر الجيم، يُقال: فجِئ يفجَأ _بكسر الجيم في الماضي وفتحها في الغابر_ وفجَأ يفجَأ _بالفتح فيهما_؛ أي: حتَّى أتاه الحقُّ بغتة، وكذا في رواية مسلم، وفي الرِّواية المتقدِّمة [خ¦3]: ((حتَّى جاءه الحقُّ)) والمراد بالحقِّ: الوحي أو رسول الحقِّ، وهو جبريل ◙ (وَهْوَ فِي غَارِ حِرَاءٍ) الواو فيه للحال (فَجَاءَهُ الْمَلَكُ) هو جبريلُ ◙، كما جزم به السُّهيلي، وكأنَّه أخذه من كلام ورقة المذكور في حديث الباب. ووقع عند البيهقيِّ في «الدلائل»: ((فجاءه الملك فيه)) أي: في غارِ حراء.
          (فَقَالَ: اقْرَأْ) يحتمل أن يكون هذا الأمر لمجرَّد التَّنبيه والتَّيقُّظ لما سيُلقى إليه، ويحتملُ أن يكون على بابه من الطَّلب، فيُستدلُّ به على جوازِ تكليفِ ما لا يُطاق في الحال، وإن قدر عليه بعد ذلك، ويحتمل أن تكون صيغة الأمر محذوفة؛ أي: قل اقرأ، وإن كان الجواب بقوله: ((ما أنا بقارئٍ)) على ما فُهم من ظاهر اللَّفظ، وكأنَّ السِّرَّ في حذفها أن لا يتوهَّم أنَّ لفظ: قل، من القرآن.
          ويُؤخذ منه جواز تأخير البيان عن وقت الخطاب، وأنَّ الأمرَ على الفور، لكن يُمكن أن يُجابَ بأنَّ الفور فُهِم من القرينة.
          (فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : مَا أَنَا بِقَارِئٍ) ويُروى: <ما أحسن أن أقرأَ>. وفي رواية ابن إسحاق: ((ما أقرأ؟)). وفي رواية أبي الأسود في «مغازيه» أنَّه قال: ((كيف أقرأ)). ووقع عند ابن إسحاق في مرسل عبيد بن عُمير: أنَّ النَّبي صلعم قال: ((أتاني جبريلُ بنمطٍ من ديباجٍ فيه كتاب، فقال: اقرأ قلت: ما أنا بقارئ)).
          قال السُّهيلي: قال بعض المفسِّرين: إنَّ قوله: {الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيْهِ} [البقرة:1-2] إشارةٌ إلى الكتاب الَّذي جاء به جبريل ◙ حين قال له: {اقْرَأْ}.
          (قَالَ: فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي) من الغطِّ، وهو العصر الشَّديد والكبس، ومنه الغطُّ في الماء وهو الغوصُ فيه. /
          ووقع في «السيرة» لابن إسحاق: ((فغتَّني)) بالمثناة بدل الطاء، وهما بمعنى، والمراد: غمَّني. وصرَّح بذلك: أنَّ ابن أبي شيبة في مرسل عبد الله بن شداد، وكذا وقع في رواية الطَّبري، وقيل: الغتُّ: حبس النَّفس مرةً، وإمساك اليد، أو الثَّوب على الفم.
          وذكر السُّهيلي: أنَّه روي: ((سَأَبني)) بمهملة ثم همزة مفتوحتين ثم موحدة أو مثناة بدل الموحدة، وهما بمعنى خنقني. وقال أبو عَمرو: سَأَتَه يَسْأَته سَأْتًا: إذا خنقه حتَّى يموت. ويُروى: ((فدعتني)) من الدَّعْت _بفتح الدال وسكون العين المهملتين وآخره مثناة فوقية_، قال ابنُ دريد: الدَّعت: الدَّفع العنيف.
          ويُروى: ((ذأتني)) بالذال المعجمة. قال أبو زيد: ذأته إذا خنقه أشدَّ الخنق حتَّى أدلعَ لسانه، ويُقال: غتَّني وغطَّني وضغطني وعصرني وغمرني وخنقني كلُّه بمعنى واحد. وأغرب الدَّاودي فقال: معنى غطَّني: صنع بي شيئًا حتَّى ألقاني إلى الأرض كمن تأخذه الغشية.
          قال الحافظ العسقلاني: والحكمة في هذا الغطِّ شغله عن الالتفات لشيءٍ آخر، والمبالغة في أمره بإحضار قلبه، أو لإظهار الشِّدَّة والجدِّ في الأمر تنبيهًا على ثقلِ القول الَّذي سيُلقى إليه، فلمَّا ظهر أنَّه صبرَ على ذلك ألقى إليه. وهذا وإن كان بالنِّسبة إلى علم الله تعالى حاصلًا، لكن لعلَّ المراد إبرازه للظَّاهر بالنِّسبة إليه صلعم . وقيل: أراد أن يعلمَه أنَّ القراءة ليست من قدرته ولو أُكره عليها. وقيل: الحكمة أنَّ التَّخيُّل والوهم والوسوسة ليست من صفات الجسم، فلمَّا وقع ذلك بجسمه علم أنَّه من أمرِ الله. وذكر بعض من لقينا: أنَّ هذا يعدُّ من خصائصهِ صلعم إذ لم يُنقل عن أحدٍ من الأنبياء ‰ أنَّه جرى له عند ابتداء الوحي مثل ذلك. انتهى.
          (حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ) يجوز فيه فتح الجيم وضمها، وهو الغاية والمشقَّة، ويجوز نصب الدال على معنى: بلغ جبريل ◙ من الجهدِ، والرفع على معنى: بلغ الجهد مبلغه وغايته (ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّانِيِةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي، فَقَالَ: اقْرَأْ، قُلْتُ: مَا أَنَا بِقَارِئٍ، / فَأَخَذَنِي فَغَطَّنِي الثَّالِثَةَ حَتَّى بَلَغَ مِنِّي الْجُهْدُ، ثُمَّ أَرْسَلَنِي) يُؤخذ منه: أنَّ من يريد التَّأكيد في أمرٍ وإيضاح البيان فيه أن يكرره ثلاثًا، وقد كان صلعم يفعلُ ذلك كما سبقَ في كتاب «العلم» [خ¦94].
          ولعلَّ الحكمة في تكرير: اقرأ، الإشارة إلى انحصار الإيمان الَّذي ينشأُ الوحي بسببه في ثلاث: القول والعمل والنِّيَّة، أو أنَّ الوحي يشتملُ على ثلاث التَّوحيد والأحكام والقصص.
          وفي تكرير الغطِّ إشارة إلى الشَّدائد الثَّلاثة التي وقعت له صلعم وهي الحصرُ في الشِّعب، وخروجه في الهجرة، وما وقعَ يوم أحدٍ، وفي الإرسالات الثَّلاثة إشارةٌ إلى حصول التَّيسير له عقب الثَّلاثة المذكورة، أو في الدُّنيا والبرزخ والآخرة.
          (فَقَالَ: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ. خَلَقَ الإِنْسَانَ}) أي: الجنس ({مِنْ عَلَقٍ}) جمع: علقة، وهي القطعة اليسيرة من الدَّم الغليظ ({اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ}) الَّذي لا يوازيه كريمٌ، ولا يعادله في الكرم نظير ({الَّذِي عَلَّمَ}) أي: الخطَّ ({بِالْقَلَمِ}) قال قتادة: العلم (4) نعمةٌ من الله ╡ عظيمةٌ لولا ذلك لم يقم دينٌ، ولم يصلح عيشٌ ({عَلَّمَ الإِنْسَانَ}) من العلوم والخطِّ والصِّناعات.
          ({مَا لَمْ يَعْلَمْ} الآيَات) وسقط في رواية أبي ذرٍّ قوله: <{الَّذِي عَلَّم بِالْقَلَمِ}> وقال: <الآيات إلى قوله: {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ}> وهي خمسُ آياتٍ وتاليها إلى آخرها نزلَ في أبي جهل، وهذا القدر من السُّورة هو الَّذي نزل أوَّلًا، بخلاف بقيَّة السُّورة، فإنَّها نزلت بعد ذلك بزمانٍ قليلٍ.
          وقد تقدَّم في «تفسير المدثر» [خ¦4922] الاختلاف في أوَّل ما نزل، ولعلَّ الحكمة في هذه الأوليَّة أنَّ هذه الآيات الخمس اشتملتْ على مقاصد القرآن، ففيها براعةُ الاستهلال، وهي جديرةٌ أن تُسمَّى: عنوان القرآن، لأن عنوان الكتاب يجمع مقاصدِهِ بعبارةٍ وجيزةٍ في أوله، وهذا بخلاف الفنِّ البديعيِّ فإنَّهم عرَّفوه بأن يأخذَ المتكلِّم في فنٍّ يؤكِّده بذكر مثال سابق.
          وبيان كونها اشتملت على مقاصد القرآن: أنَّها تنحصرُ في علوم التَّوحيد والأحكام والأخبار، وقد اشتملتْ / على الأمر بالقراءة والبداءة باسم الله، وفي هذا إشارةٌ إلى الأحكام، وفيها ما يتعلَّق بتوحيد الرَّب، وإثبات ذاته وصفاتهِ، من صفة ذات وصفة فعل، وفي هذا إشارةٌ إلى أصول الدِّين، وفيها ما يتعلَّق بالأخبار من قوله: {عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق:5].
          وقد استدلَّ به السُّهيلي على أنَّ البسملة يُؤمرُ بقراءتها أوَّل كلِّ سورةٍ، لكن لا يلزمُ من ذلك أن تكون آيةً من كلِّ سورةٍ، كذا قال. وأمَّا ما ذكره القاضي عياض عن أبي الحسن بن القصَّار من المالكيَّة أنَّه قال: في هذه القصَّة ردٌّ على الشَّافعي في قوله: إنَّ البسملة آيةٌ من كلِّ سورةٍ.
          قال: لأنَّ هذه أوَّلُ سورةٍ أُنزلت، وليس في أولها بسملة فقد تُعُقِّب: بأنَّ فيها الأمر بها، وإن تأخَّر نزولها. ولو صحَّ ما أخرجه الطَّبري من حديث ابن عبَّاس ☻ : أنَّ جبريل ◙ أمرَ النَّبي صلعم بالاستعاذة والبسملة قبل قوله: {اقرأ} لكان أقوى في الاحتجاج، لكن في إسناده ضعفٌ وانقطاع. وكذا حديث أبي ميسرة أنَّ أوَّل ما أمرهُ به جبريل ◙ قال له: ((قل: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ.الحمد لله رب العالمين)) هو مرسلٌ وإن كان رجاله ثقاتٌ، والمحفوظ أنَّ أوَّل ما نزل: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ}.
          (فَرَجَعَ بِهَا) أي: بالآيات الخمس، أو بسبب تلك الضَّغطة (رَسُولُ اللَّهِ صلعم تَرْجُفُ بَوَادِرُهُ) وفي رواية الكُشميهني: <فؤاده> و((ترجف)) عندهم بمثناة فوقية، ولعلَّها في روايته: <يرجف فؤاده> بالتحتية، والبوادر: جمع: بادرة، وهي اللَّحمة التي بين الكتف والعنق، ترجفُ؛ أي: تضطربُ عند الفزع (حَتَّى دَخَلَ عَلَى خَدِيجَةَ) ♦ (فَقَالَ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) هكذا في رواية الأكثرين مرَّتين، وكذا تقدَّم في «بدء الوحي» [خ¦3]. ووقع في رواية أبي ذرٍّ هنا: مرَّةً واحدةً، والتَّزميل هو التَّلفيف، والتَّزمُّل: التَّلفُّف والاشتمال، وطلب ذلك؛ ليسكن ما حصل له من الرِّعدة من شدِّة هول الأمر وثقلهِ، وقد جرت العادة بسكون الرِّعدة بالتَّلفُّف.
          ووقع في مرسل عبيد بن عُمير: أنَّه صلعم خرج فسمعَ صوتًا من السَّماء [يقول: يامحمد أنت رسول الله وأنا جبريل، فوقفت أنظر إليه فما أتقدم وما أتاخر وجعلت أصرف وجهي في ناحية آفاق السماء] (5) فلا أنظر في ناحيةٍ منها إلَّا رأيته كذلك. وسيأتي في «التعبير» [خ¦6982] أنَّ مثل ذلك وقع له عند فترة الوحي. /
          (فَزَمَّلُوهُ) بفتح الميم، كما أمرهُم (حَتَّى ذَهَبَ عَنْهُ الرَّوْعُ) بفتح الراء؛ أي: الفزع، وأمَّا الرُّوع _بضم الراء_ فهو موضع الفزعِ من القلب (قَالَ لِخَدِيجَةَ: أَيْ خَدِيجَةُ، مَا لِي، لَقَدْ خَشِيتُ) وفي رواية الكُشميهني: <قد خشيت>. قال القاضي عياض: ليس هو بمعنى الشَّكِّ فيما آتاهُ الله تعالى، لكنَّه ربَّما خشي أنَّه لا يقوى على مقاومة هذا الأمر، ولا يقدر على حمل أعباء الوحي عند لقاء الملك فتزهقُ نفسه.
          (فَأَخْبَرَهَا الْخَبَرَ، قَالَتْ خَدِيجَةُ) ♦ له صلعم : (كَلاَّ) معناه: النَّفي والرَّدع عن ذلك الكلام، والمراد هنا التَّنزيه عنه، وهذا أحدُ معانيها. ويُقال: أي: لا خوفٌ عليك (أَبْشِرْ) بهمزة قطع ويجوز الوصل، وأصل البشارة في الخير، وفي مرسل عبيد بن عُمير فقالت: أبشر يا ابن عمِّ واثبتْ، فوالَّذي نفسي بيده إنَّي لأرجو أن تكون نبيَّ هذه الأمَّة.
          (فَوَاللَّهِ لاَ يُخْزِيكَ اللَّهُ أَبَدًا) بخاء معجمة وتحتانية، من الخزي، وهو الفضيحةُ والهوان، والوقوعُ في بلية وشهرةِ وتُذلُّه، ووقع في رواية مَعمر في «التعبير» [خ¦6982]: ((يحزنك)) بحاء مهملة ونون ثلاثيًا ورباعيًا. قال التِّرمذي: أحزنه لغة تميم، وحزنه لغة قريش، وقد نبَّه على هذا الضَّبط مسلم.
          ووقع عند ابنِ إسحاق عن إسماعيل بن أبي حكيم مرسلًا: أنَّ خديجة ♦ قالت: أي ابن عمِّ أتستطيعُ أن تخبرني بصاحبك إذا جاء قال: ((نعم)) فجاءه جبريل ◙ فقال: ((يا خديجةُ هذا جبريل)) قالت: قمْ فاجلسْ على فخذي اليسرى، ثمَّ قالت: هل تراه؟ قال: ((نعم)) قالت: فتحوَّل إلى اليمين كذلك، ثمَّ قالت: فتحوَّل فاجلس في حجري كذلك، ثمَّ ألقت خمارها وتحسَّرت، وهو في حجرها، وقالت: هل تراه؟ قال: لا، قالت: اثبتْ فوالله إنَّه لملكٌ وما هو بشيطانٍ، وفي رواية مرسلة عند البيهقي في «الدلائل» أنَّها ذهبت إلى عدَّاسٍ، وكان نصرانيًّا فذكرت له خبر جبريل، فقال: ((هو أمينُ الله بينه وبين النَّبيين)) ثمَّ ذهبت إلى ورقة.
          (فَوَاللَّهِ إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ) أي: القرابة (وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ) بفتح الكاف وتشديد اللام، وهو الثِّقل، وأصله من الكلالِ وهو الإعياءُ؛ أي: ترفع الثِّقل، أرادت تعين الضَّعيف المنقطع واليتيم والعيال (وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ) بفتح التاء، هو المشهور الصَّحيح في الرواية، والمعروف في اللغة، وروي: بضمها. وفي معنى المضموم قولان: أصحهما: أنَّ معناه: تكسب غيرك المال المعدوم؛ أي: تعطيه إيَّاه / تبرُّعًا.
          ثانيهما: تعطي النَّاس ما لا يجدونه عند غيرك من مقدِّمات الفوائد ومكارم الأخلاق، يُقال: كسبت مالًا وأكسبت غيري مالًا. وفي معنى المفتوح أيضًا قولان: أصحهما: أنَّ معناه كمعنى المضموم، والأوَّل أفصحُ وأشهر. والثاني: أنَّ معناه: تكسب المال، وتصيب منه ما يعجزُ غيرك عن تحصيله، ثمَّ تجودُ به وتنفقه في وجوه المكارم.
          (وَتَقْرِي الضَّيْفَ) بفتح التاء من الثُّلاثي، تقول: قريت الضَّيف أقريه قِرَى _بكسر القاف والقصر_، وقراء بالفتح والمد (وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ) النَّوائب: جمع نائبة، وهي الحادثةُ والنَّازلة خيرًا أو شرًّا، ولذا قال: ((نوائب الحق)) (فَانْطَلَقَتْ بِهِ خَدِيجَةُ) مصاحبة له (حَتَّى أَتَتْ بِهِ وَرَقَةَ بْنَ نَوْفَلٍ) أي: ابن أسد. وفي مرسل عبيد بن عمير: أنَّها أمرت أبا بكر ☺ أن يتوجَّه معه فيحتمل أن يكون عند توجيهها أو مرَّةً أخرى (وَهْوَ ابْنُ عَمِّ خَدِيجَةَ أَخِي أَبِيهَا) لأنَّ خديجة ♦ بنت خويلد بن أسد (وَكَانَ) أي: ورقة (امْرَأً تَنَصَّرَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَكَانَ يَكْتُبُ الْكِتَابَ الْعَرَبِيَّ، وَيَكْتُبُ مِنَ الإِنْجِيلِ بِالْعَرَبِيَّةِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَكْتُبَ) أي: كتابته، وذلك لتمكُّنه في دين النَّصارى ومعرفته بكتابهم.
          (وَكَانَ شَيْخًا كَبِيرًا قَدْ عَمِيَ، فَقَالَتْ خَدِيجَةُ: يَا عَمِّ) وفي رواية أبي ذرٍّ: <يا ابن عم> (اسْمَعْ مِنِ ابْنِ أَخِيكَ) تعني: النَّبي صلعم ؛ لأنَّ الأب الثَّالث لورقة هو الأخ للأب الرَّابع لرسول الله صلعم ؛ أي: اسمع منه الَّذي يقوله.
          (قَالَ وَرَقَةُ) له صلعم : (يَا ابْنَ أَخِي، مَاذَا تَرَى؟) وفي رواية ابن منده في «الصحابة» من طريق سعيد بن جُبير عن ابن عبَّاس ☻ عن ورقة بن نوفل قال: قلت: يا محمَّد أخبرني عن هذا الَّذي يأتيك قال: ((يأتيني من السَّماء، جناحاه لؤلؤ، وباطن قدميه أخضر)).
          (فَأَخْبَرَهُ النَّبِيُّ صلعم خَبَرَ مَا رَأَى. فَقَالَ وَرَقَةُ) له صلعم : (هَذَا النَّامُوسُ الَّذِي أُنْزِلَ) بضم الهمزة على البناء للمفعول (عَلَى مُوسَى) ◙. وتقدم في «بدء الوحي» [خ¦3]: ((أنزل الله))، والنَّاموس _بالنون والسين المهملة_: هو صاحب السِّرِّ. وقال ابن سيده: النَّاموس: / السِّر.
          وقال صاحب «الغريبين»: هو صاحب سرِّ الملك. وقال ابن ظفر في «شرح المقامات»: صاحب سرِّ الخير ناموسٌ، وصاحب سرِّ الشَّرِّ جاسوسٌ. وقد سوَّى بينهما رؤبة بن الحجَّاج، وقيل: هو الصَّحيح وليس بصحيحٍ، بل الصَّحيح: الفرق بينهما على ما نقل النَّووي في «شرحه» عن أهل اللُّغة.
          ووقع في مرسل أبي ميسرة: ((أبشر فأنا أشهد أنَّك الَّذي بشَّر به ابن مريم، وأنَّك على مثل ناموس موسى، وأنَّك نبيٌّ مرسلٌ، وأنَّك ستؤمر بالجهاد)). وهذا أصرح ما جاء في إسلام ورقة، أخرجه ابن إسحاق.
          وأخرج التِّرمذيُّ عن عائشة ♦: أنَّ خديجة ♦ قالت للنَّبي صلعم لمَّا سُئل عن ورقة: كان صدَّقك، ولكنَّه مات قبل أن تظهرَ فقال: ((رأيته في المنام وعليه ثيابٌ بيضٌ، ولو كان من أهل النَّار لكان لباسه غير ذلك)). وعند البزَّار والحاكم عن عائشة ♦ مرفوعًا: ((لا تسبُّوا ورقة فإنِّي رأيتُ له جنَّةً أو جنَّتين)). وقد تقدَّم في «بدء الوحي» [خ¦3] ذكر الحكمة في قول ورقة: ((ناموس موسى))، ولم يقل: عيسى مع أنَّه كان تنصَّر. وقد ورد في رواية الزُّبير بن بكار بلفظ: ((عيسى)).
          وذكر القطب الحلبيُّ في وجه المناسبة لذكر موسى دون عيسى: أنَّ النَّبي صلعم لعلَّه لمَّا ذكر لورقة ما نزل عليه من {اقْرَأ}[العلق:1] و{يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرْ} [المدثر:1] و{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلْ} [المزمل:1] فهم ورقة من ذلك أنَّه كُلِّف بأنواعٍ من التَّكاليف، فناسب ذكر موسى لذلك لأنَّ الَّذي أُنزل على عيسى إنَّما كان مواعظ.
          كذا قال وهو متعقَّبٌ، فإنَّ نزول: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} و{يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلْ} كان بعد فترة الوحي كما تقدم بيانه في «تفسير المدثر» [خ¦4922] والاجتماع بورقة كان في أوَّل البعثة. وزعمه أنَّ الإنجيل كلُّه مواعظ متعقَّب أيضًا، فإنَّه منزَّلٌ أيضًا على الأحكام الشَّرعيَّة، وأنَّ معظمها موافقٌ لما في التَّوراة، لكنَّه نسخ فيها أشياء بدليل قوله: {وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ} [آل عمران:50].
          (لَيْتَنِي) وفي بدء الوحي [خ¦3]: ((يا ليتني)) بأداة النِّداء (فِيهَا) أي: في أيَّام الدَّعوة، قاله السُّهيلي، أو في مدَّة النُّبوَّة قاله المازريُّ، ويحتمل أن يعود إلى القصَّة (جَذَعًا) بفتح الجيم والذال المعجمة والعين المهملة، الشَّابُّ القويُّ / (لَيْتَنِي أَكُونُ حَيًّا، ذَكَرَ) أي: ورقة بعد ذلك (حَرْفًا) أي: كلمة أخرى، كذا في هذه الرِّواية. وتقدَّم في «بدء الوحي» [خ¦3] بلفظ: ((إذ يخرجك قومك)) ويأتي في رواية معمر في «التَّعبير» بلفظ [خ¦6982]: ((حين يُخرجك)) وأبهم موضع الإخراج، والمراد به مكَّة.وقد وقع في حديث عبد الله بن عديٍّ في «السنن» مطوَّلًا: ((ولولا أنِّي أخرجوني منك ما خرجت يخاطب مكَّة)).
          (قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم : أَوَمُخْرِجِيَّ هُمْ) بفتح الواو وتشديد التحتية و«هم» مبتدأ، و«مخرجي» خبره، قدم الهمزة على الواو؛ لأنَّ الاستفهام له الصَّدر نحو: ((أولم ينظروا)) والاستفهام للإنكار.
          (قَالَ وَرَقَةُ: نَعَمْ، لَمْ يَأْتِ رَجُلٌ بِمَا جِئْتَ بِهِ) من الوحي (إِلاَّ أُوذِيَ) بضم الهمزة وكسر الذال المعجمة، وفي «بدء الوحي» [خ¦3]: ((إلا عودي)) (وَإِنْ يُدْرِكْنِي) بالجزم بأن الشرطية (يَوْمُكَ) فاعل يُدْركني؛ أي: يوم دعوتك وانتشار نبوَّتك، أو يوم إخراجك، أو وقت الجهاد (حَيًّا أَنْصُرْكَ) بالجزم جواب الشرط (نَصْرًا مُؤَزَّرًا) بلفظ اسم المفعول من التَّأزير؛ أي: التَّقوية، والأزر: القوَّة؛ أي: نصرًا قويًّا بليغًا.
          (ثُمَّ لَمْ يَنْشَبْ وَرَقَةُ) بفتح الشين؛ أي: لم يلبث (أَنْ تُوُفِّي، وَفَتَرَ الْوَحْيُ) أي: احتبس (فَتْرَةً، حَتَّى حَزِنَ رَسُولُ اللَّهِ) وفي رواية الحمويي: <النَّبي> ( صلعم ) زاد في «التعبير» [خ¦6982] من طريق معمر عن الزُّهري فيما بلغنا: حزنًا غدا منه مرارًا كي يتردَّى من رؤوس شواهق الجبال، فكلَّما أوفى بذروة جبلٍ كي يُلقي منه نفسه تبدَّى له جبريل، فقال: يا محمَّد إنَّك رسول الله حقًّا، فيسكن لذلك جأشه، وتقرُّ نفسه، فيرجع، فإذا طالت عليه فترة الوحي غدا لمثل ذلك، فإذا أوفى بذروة جبلٍ تبدَّى له جبريل، فقال له مثل ذلك. وهذه الزِّيادة خاصَّةٌ برواية معمر، والقائل: «فيما بلغنا»: الزُّهري، وليس موصولًا. نعم. يحتمل أن يكون بلغه بالإسناد المذكور. وسقط قوله: «فيما بلغنا»، عند ابن مردويه من طريق محمد بن كثير عن معمر.
          وقوله: ((غدا)) بالغين المعجمة، من الذَّهاب غدوةً لا بالعين المهملة من العدوِ، وهو الذَّهاب بسرعة. وأمَّا إرادته صلعم إلقاء نفسه من رؤوس شواهق الجبال فحزنًا على ما فاته من الَّذي بشَّره به ورقة.
          وحمله القاضي عياض على أنَّه لمَّا أخرجه من تكذيب من بَلَّغه لقوله تعالى: / {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا} [الكهف:6]، أو خاف أنَّ الفترة لأمرٍ أو سببٍ منه، فخشي أن تكون عقوبةً من ربِّه، ففعل ذلك بنفسه، ولم يرد بعد ذلك شرع عن ذلك، فيُعترض به.
          نعم، خرّج الطَّبري من طريق النُّعمان بن راشد عن ابن شهاب: أنَّ ذلك بعد لقاءِ جبرائيل، فذكر نحو حديث الباب وفيه: ((فقال: يا محمَّد أنت رسول الله حقًّا، قال: فلقد هممتُ أن أطرحَ نفسي من حالقِ جبل)) أي: علوِّه. وأجيب: بأنَّ ذلك؛ لضعف قوَّته عن تحمُّل ما حمله من أعباء النُّبوَّة، وخوفًا ممَّا يحصلُ له من القيام بها من مباينة الخلق جميعًا كما يطلبُ الرَّجل إلى أخيه من غمٍّ يناله في العاجل بما يكون فيه زواله عنه، ولو أفضى إلى هلاك نفسه عاجلًا.
          وأمَّا ما روى ابن إسحاق عن بعضهم: أنَّ النَّبي صلعم قال: وذكر جواره بحراء، قال: ((فجاءني وأنا نائمٌ فقال: {اقْرَأْ})).
          وذكر نحو حديث عائشة ♦ في غطِّه له وإقرائه: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:1] قال: فانصرف عنِّي فهببت من نومي كأنَّما صُوِّرت في قلبي، ولم أكن أبغض إليَّ من شاعرٍ أو مجنون، ثمَّ قلت: لا تحدَّث عنِّي قريش بهذا، لأعمدنَّ إلى حالقِ جبلٍ فلأطرحنَّ نفسي منه فلأقتلنَّها.
          فأجاب عنه القاضي: بأنَّه إنَّما كان قبل لقائهِ جبريل ◙، وقيل: إعلام الله له بالنُّبوَّة وإظهاره واصطفائه بالرِّسالة، والله تعالى أعلم.
          ومطابقة الحديث للتَّرجمة ظاهرةٌ.
          -(قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ شِهَابٍ) الزُّهري، بالإسناد الأوَّل من السَّندين المذكورين من أوَّل هذا الباب (فَأَخْبَرَنِي) بالإفراد عطف على مقدَّر تقديره: قال ابنُ شهاب: فأخبرني عروة بما تقدَّم فأخبرني (أَبُو سَلَمَةَ) أي: ابن عبد الرَّحمن بن عوف، وفي رواية أبي ذرٍّ زيادة: <ابن عبد الرحمن> (أَنَّ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الأَنْصَارِيَّ) ☻ (قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلعم ، وَهْوَ يُحَدِّثُ عَنْ فَتْرَةِ الْوَحْيِ، قَالَ فِي حَدِيثِهِ: بَيْنَا) بغير ميم (أَنَا أَمْشِي) هذا يُشعر بأنَّه كان في أصل الرِّواية أشياء غير هذا المذكور، وهذا أيضًا من مرسل الصَّحابي لأنَّ جابرًا ☺ لم يُدرك زمان القصَّة، فيحتمل أن يكون سمعها من النَّبي صلعم ، أو من صحابيٍّ آخر حضرها. كذا قالوا، والظَّاهر أنَّه كان يحدِّث عنه صلعم كما لا يخفى، ووقع من رواية / عقيلٍ في «بدء الوحي» [خ¦4] غير مصرَّحٍ بذكر النَّبي صلعم فيه، ووقع في رواية يحيى بن أبي كثير عن أبي سلمة في «تفسير المدَّثِّر» [خ¦4922]: عن جابرٍ عن النَّبي صلعم : ((جاورت بحراء، فلمَّا قضيت جواري هبطت فنُوديت)). وزاد مسلمٌ في روايته: ((جاورت بحراء شهرًا)).
          (سَمِعْتُ) وفي «بدء الوحي» [خ¦4]: ((إذ سمعت)) (فَرَفَعْتُ بَصَرِي) وفي رواية أبي ذرٍّ عن الكُشميهني: <رأسي> ويؤخذ منه جواز رفع البصر إلى السَّماء عند وجود حادثٍ من قِبَلها، وقد ترجم له المصنِّف في «الأدب». [خ¦78/118-9245] ويُستثنى من ذلك رفع البصر إلى السَّماء في الصَّلاة؛ لثبوت النَّهي عنه، كما تقدَّم في «الصَّلاة» [خ¦750] من حديث أنسٍ ☺. وروى ابن السُّنِّي بإسنادٍ ضعيفٍ عن ابن مسعودٍ ☺ قال: أُمرنا أن لا نُتبعَ أبصارنا الكوكب إذا انقضَّ، ووقع في رواية يحيى بن أبي كثيرٍ [خ¦4922]: ((فنظرتُ عن يميني فلم أر شيئًا، ونظرتُ عن شمالي فلم أر شيئًا، ونظرتُ أمامي فلم أر شيئًا، ونظرتُ خلفي فلم أر شيئًا، فرفعت رأسي)). وفي رواية مسلمٍ بعد قوله: شيئًا: ((ثمَّ نُوديت فنظرتُ فلم أر أحدًا، ثمَّ نوديتُ فرفعت رأسي)).
          (فَإِذَا الْمَلَكُ الَّذِي جَاءَنِي بِحِرَاءٍ) وهو جبريلُ ◙ (جَالِسٌ عَلَى كُرْسِيٍّ بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) وفي رواية يحيى بن أبي كثير [خ¦4924]: ((فإذا هو جالسٌ على عرشٍ بين السَّماء والأرض)). وجالسٌ: رفع على أنَّه خبر الملك. وأغرب الحافظُ العسقلاني حيث قال: هو على تقدير حذف المبتدأ؛ أي: فإذا صاحب الصَّوت هو المَلَك الَّذي جاءني بحراءٍ وهو جالسٌ. ووقع عند مسلمٍ: ((جالسًا)) بالنصب وهو على الحال (فَفَرِقْتُ) بكسر الراء وسكون القاف؛ أي: خفتُ (مِنْهُ) وفي رواية ابن المبارك عن يونس: ((ففزعت منه)). وفي رواية ابن وهب عند مسلمٍ: ((فجُئَثت))، وفي رواية عقيل في «بدء الوحي» [خ¦4]: ((فرُعِبت)) بضم الراء وكسر العين على البناء للمفعول.
          وفي رواية الأصيليِّ: ((رَعُبت)) بفتح الراء وضم العين، من الرُّعب وهو الخوف، وفي رواية في «تفسير المدثر» [خ¦4925]: ((فجئثت)) كما في مسلمٍ، وزاد: ((فجُئثت منه فرقًا)) وكذا في رواية معمر، وهذه اللَّفظة بضم الجيم، وذكر القاضي عياض: أنَّه وقع في رواية القابسيِّ بالمهملة، وقال: وفسَّره: بأسرعت قال: ولا يصحُّ مع قوله: «حتَّى هويت»؛ أي: سقطت من الفزع.
          وقال الحافظُ العسقلاني: ثبت في رواية عبد الله بن يوسف / عن اللَّيث في «ذكر الملائكة» من «بدء الخلق» [خ¦3238]: بضم المهملة وكسر المثلثة بعدها مثناة تحتانية ساكنة ثم مثناة فوقانية، ومعناها إن كانت محفوظةً سقطت على وجهي، حتَّى صرتُ كمن حُثِي عليه التُّراب.
          وقال النَّووي: وبعد الجيم مثلثتان في رواية عقيل ومَعمر، وفي رواية يونس: بهمزة مكسورة ثم مثلثة، وهي أرجحُ من حيث المعنى. قال أهل اللُّغة: جئث الرَّجل فهو مجئوثٌ: إذا فزع. وعن الكسائي: جئث وجثث فهو مجئوث ومجثوث؛ أي: مذعور.
          (فَرَجَعْتُ) أي: إلى أهلي بسبب الفرق (فَقُلْتُ: زَمِّلُونِي زَمِّلُونِي) مرتين، وفي رواية يحيى بن أبي كثير [خ¦4922]: ((فقلت: دثِّروني وصُبُّوا عليّ ماء باردًا)) وكأنَّه رواها بالمعنى، والتَّزميل والتَّدثير يشتركان في الأصل، وإن كانت بينهما مغايرة في الهيئة. ووقع في رواية مسلم: ((فقلت: دثِّروني دثِّروني فَصَبُّوا عليَّ ماء)).
          وأغفل بعض الرُّواة ذكر الأمر بالصَّبِّ والاعتبار بمن ضبط، وكأنَّ الحكمة في الصَّبِّ بعد التَّدثُّر طلب حصول السكون؛ لما وقع في الباطن من الانزعاج، أو أنَّ العادة أنَّ الرِّعدة يعقبها الحمَّى، وقد عُرف من الطِّبِّ النَّبويِّ معالجتها بالماء البارد.
          (فَدَثَّرُوْهُ) بالهاء (فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى) ويُروى: <╡> ({يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ. قُمْ فَأَنْذِرْ. وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ. وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر:1-4]) أي: عن النَّجاسة أو قصرها ({وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:5]) أي: دم على هجرها.
          (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ) أي: ابن عبد الرَّحمن بن عوف، بالسَّند السَّابق (وَهْيَ) أي: الرُّجز، وإنَّما أنَّث الضمير باعتبار الجنس (الأَوْثَانُ الَّتِي كَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ يَعْبُدُونَ. قَالَ: ثُمَّ تَتَابَعَ الْوَحْيُ) أي: استمرَّ نزوله، يُعرف من اتِّحاد الحديثين في نزول: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرْ} عقب قوله: ((دثِّروني وزمِّلوني)) أنَّ المراد بزمِّلوني دثِّروني، ولا يُؤخذ من ذلك نزول: {يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلْ} [المزمل:1] حينئذٍ؛ لأنَّ نزولها تأخَّر عن نزول: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرْ} [المدثر:1] بالاتِّفاق؛ لأنَّ أوَّل {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّر} الأمر بالإنذار، وذلك أوَّل ما بُعث، وأوَّل المزمِّل الأمر بقيام اللَّيل، وترتيل القرآن، فيقتضي تقدُّم نزول كثيرٍ من القرآن قبل ذلك.
          وقد تقدَّم في «تفسير المدثر» [خ¦4925] أنَّه نزل من أوَّلها / إلى قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} [المدثر:1] وفيها محصِّلُ ما يتعلَّق بالرِّسالة، ففي الآية الأولى: المؤانسة بالحالة الَّتي هو عليها من التَّدثُّر إعلامًا بعظم قدره. وفي الثَّانية: الأمر بالإنذار قائمًا، وحُذف المفعول تعميمًا وتفخيمًا، والمراد بالقيام: إمَّا حقيقةً؛ أي: قم من مضجعك أو مجازًا؛ أي: قم مقام عزمٍ وجدٍّ. وفي الثَّالثة: تكبير الرَّبِّ تمجيدًا وتعظيمًا، ويحتمل الحمل على تكبير الصَّلاة، كما حُمل الأمر بالتَّطهير على طهارة البدن والثِّياب، وهي الآيةُ الرابعة. وأمَّا الخامسة: فهجران ما ينافي التَّوحيد، وما يؤولُ إلى العذاب.


[1] في الفتح (وابن أبي رزمة).
[2] في هامش الأصل: في نسخة: سَلْمَوَيْهِ. نسخة.
[3] في هامش الأصل: تحنث: تعبد واعتزل الأصنام.
[4] في هامش الأصل: يعني العلم بالقلم.
[5] من فتح الباري