نجاح القاري لصحيح البخاري

[تتمة غريب آيات سورة اقرأ]

          -(وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {نَادِيَهُ}: عَشِيرَتَهُ) أي: قال مجاهد في قوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهْ} [العلق:17] ؛ أي: عشيرته؛ أي: أهل ناديه؛ لأنَّ النَّادي هو المجلسُ / المتَّخذ للحديث، ولا يُسمَّى ناديًا ما لم يكن فيه أهله، وقوله تعالى: {فَلْيَدْعُ نَادِيَهْ} [العلق:17] أي: فليستنصر بهم، وصله الفريابيُّ من طريق مجاهد به. ورواه ابن جرير عن الحارث: حدَّثني الحسن، عن ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد.
          ({الزَّبَانِيَةَ}: الْمَلاَئِكَةَ) أشار به إلى قوله تعالى: {سَنَدْعُ الزَّبَانِيَةَ} [العلق:18]، وفسَّره: بالملائكة، والمراد ملائكة العذاب الغلاظ الشِّداد، سمُّوا بذلك؛ لأنَّهم يدفعون أهل النَّار إليها بشدَّةٍ مأخوذٌ من الزَّبن وهو الدَّفع، والواحد زبْنية كعفرية. وقيل: زابن وزَباني، وقيل: زِبْني، كأنَّه نسب إلى الزَّبن، والزَّبانية في كلام العرب الشَّرط، وقد وصله الفريابي من طريق مجاهد. وأخرجه ابن أبي حاتم من طريق أبي حازمٍ عن أبي هريرة ☺ مثله.
          (وَقَالَ مَعْمَرْ) هو أبو عبيدة، كذا في رواية أبي ذرٍّ، وسقط في رواية غيره، وصار كأنَّه من قول مجاهدٍ، والأوَّل هو الصواب؛ لأنَّه كلام أبي عبيدة في كتاب «المجاز» أي: قال في قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} [العلق:8]: ({الرُّجْعَى}: الْمَرْجِعُ) ولفظه: {إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} قال: المرجع والرُّجوع؛ أي: في الآخرة، وفيه تهديدٌ لهذا الإنسان من عاقبة الطُّغيان.
          ({لَنَسْفَعَنْ}: قَالَ: لَنَأْخُذَنْ) وفي رواية أبي ذرٍّ سقط لفظ: <قال> أي: لنأخذنْ بناصيته فلنجرَّه إلى النَّار (وَلَنَسْفَعَنْ _بِالنُّونِ_، وَهْيَ الْخَفِيفَةُ، سَفَعْتُ بِيَدِهِ: أَخَذْتُ) أي: قال مَعمر في قوله تعالى: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعن بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] لنأخذنْ...إلى آخره. قوله: {بِالنَّاصِيَةِ} هي مقدَّم الرأس، واكتفى بذكر النَّاصية عن الوجه كلِّه لأنها في مقدَّمه، وفي آيةٍ أخرى: {فَيُؤْخَذُ بِالنَّوَاصِي وَالأَقْدَامِ} [الرحمن:41]. وقوله: «{وَلَنَسْفَعَنْ} بالنون...إلى آخره» ولفظه: ولنسفعنْ إنَّما يُكتب بالنون؛ لأنَّها نونٌ خفيفةٌ. انتهى.
          وقد رُوي عن أبي عَمرو بالنون الثقيلة، والموجود في مرسوم المصحف: بالألف، وأشار بقوله: «سفعت بيدي أخذت» إلى معنى السَّفع من حيث اللُّغة، وهو الأخذُ. وقيل: هو القبضُ على الشَّيء بشدَّةٍ، وقيل: أصله الأخذ بسفعة الفرس؛ أي: سواد ناصيته، ومنه قولهم:
بِهِ سَفْعَةٌ مِنْ غَضَبٍ لِمَا                     يَعْلُو لَوْنَ الْغَضْبَانِ مِنَ التَّغَيُّرِ
          ومنه: ((امرأةٌ سفعاء الخدَّين)). /
          وقال مقاتل: دخل النَّبي صلعم الكعبة فوجدَ أبا جهل قد قلَّد هُبل طوقًا من ذهبٍ وطيَّبه، وهو يقول: يا هبلُ لكلِّ شيءٍ شكرٌ، وعزَّتك لأشكرنَّك من قابل، قال: وكان قد ولدَ له في ذلك العام ألف ناقةٍ، وكسب في تجارتهِ ألف مثقال ذهبٍ، فنهاهُ النَّبي صلعم عن ذلك فقال له: والله إن وجدتُك هنا تعبدُ غير إلهنا لأسفعنَّك على ناصيتك، يقول: لأجرنَّك على وجهِكَ، فنزلت: {كَلَّا لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ لَنَسْفَعَنْ بِالنَّاصِيَةِ} [العلق:15] أي: في النَّار.