شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب موت يوم الاثنين

          ░94▒ باب: موت(1) يوم الاثنين.
          فيه: عَائِشَةُ قالَت(2): (دَخَلْتُ على أبي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ، فَقَالَ: في كَمْ كُفِّنَ(3) النَّبيُّ صلعم؟ فقلت(4): في ثَلاثَةِ أَثْوَابٍ بِيضٍ سَحُولِيَّةٍ لَيْسَ فِيهَا قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ، فَقَالَ لَهَا: في أيِّ يَوْمٍ تُوُفِّيَ(5)؟ قَالَتْ(6): يَوْمَ الاثْنَيْنِ، قَالَ: فَأَيُّ يَوْمٍ هَذَا؟ قَلتُ(7): يَوْمُ الاثْنَيْنِ، قَالَ: أَرْجُو فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَ اللَّيْلِ، فَنَظَرَ إلى ثَوْبٍ كَانَ يُمَرَّضُ فِيهِ، بِهِ رَدْعٌ مِنْ زَعْفَرَانٍ فَقَالَ: اغْسِلُوا ثَوْبِي هَذَا، وَزِيدُوا عَلَيْهِ ثَوْبَيْنِ وَكَفِّنُونِي فِيهما، قُلْتُ: إِنَّ هَذَا خَلَقٌ! قَالَ: إِنَّ الْحَيَّ أَحَقُّ بِالْجَدِيدِ مِنَ الْمَيِّتِ، إِنَّمَا هُوَ لِلْمُهْلَةِ، فَلَمْ يُتَوَفَّ حَتَّى أَمْسَى مِنْ لَيْلَةِ الثُّلاثَاءِ، وَدُفِنَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ). [خ¦1387]
          قال المؤلِّف: إنَّما سأل أبو بكر الصِّدِّيق ☺ ابنتَه عن أيِّ يوم توفِّي فيه رسول الله(8) صلعم طمعًا أن يوافق وفاته(9) ذلك اليوم تبرُّكًا به، وقديمًا أحبَّ النَّاس التَّبرُّك بآثار(10) الصَّالحين، وموافقتهم في المحيا والممات؛ رغبة في الخير وحرصًا عليه، كفعل ابن عمر في كثير من حركات النَّبيِّ ◙ وآثاره التي ليست بسنن، فكان يقف في الموضع الذي وقف النَّبيُّ(11) ويدور بناقته في المكان الذي أدار فيه النَّبيُّ ◙ ناقته، وهذا كلُّه _وإن لم يوجب فضلًا_ فإنَّ ابن عمر إنَّما فعل(12) ذلك محبَّة في النَّبيِّ ◙ ومحافظة على اقتفاء آثاره، ومن اقتدى به ◙ فيما لا يلزم من حركاته كان أحرص على الاقتداء به فيما يلزم اتِّباعه فيه.
          وقد اتَّفق أهل السُّنَّة(13) أنَّ النَّبيَّ ◙ وُلد يوم الاثنين، وأُنزل عليه الوحي(14) يوم الاثنين، وبُعث يوم الاثنين، ودخل المدينة يوم الاثنين، وتوفِّي يوم الاثنين، وكان يصوم يوم(15) الاثنين والخميس، وذكر مالك في «الموطَّأ» عن أبي هريرة أنَّه قال: تُعرض أعمال النَّاس كلَّ جمعة مرَّتين: يوم الاثنين والخميس(16)، فيغفر لكلِّ عبد مؤمن إلَّا عبدًا(17) كانت بينه وبين أخيه شحناء، فهذه فضيلة يوم(18) الاثنين والخميس.
          وقد رُوي عن النَّبيِّ ◙ فيمن مات يوم الجمعة فضيلة، ذكرها(19) ابن أبي الدُّنيا قال: حدَّثنا أحمد بن الفرج(20) الحمصيُّ، قال: حدَّثنا بقيَّة بن الوليد، حدَّثنا معاوية بن سعد التُّجِيبيُّ عن(21) أبي قَبِيل، عن عبد الله بن عَمْرو بن العاص(22) قال: سمعت النَّبيَّ صلعم يقول: ((من مات يوم الجمعة أو ليلة الجمعة(23) وقاه الله فتان القبر)).
          وروى ابن وهب عن اللَّيث بن سعدٍ(24)، عن أبي عثمان الوليد بن أبي(25) الوليد أنَّ أبا عبيدة بن عقبة قال من(26) مات يوم الجمعة أمن فتنة القبر، وقال: إنِّي ذكرته للقاسم بن محمَّد فقال: صدق أبو عبيدة.
          وقوله: (رَدعٌ مِنْ زَعفَرانٍ) أي لطخ، قال أبو عليٍّ: يُقال: بدا من الزَّعفران ردعه أي ملتطَّخه. قال أبو عبيدة: وقوله: (الحيَّ أحوجُ إلى الجديدِ مِنَ الميِّتِ) فهذا مذهب من يرى ترك المغالاة في الأكفان(27)، خلاف قول من يقول: يتزاورون في أكفانهم فيجب تحسينها، ألا تراه يقول: فإنَّما هو(28) للمهلة، ويشهد لذلك قول حذيفة حين أتى بكفنه رَيطَتين، فقال: لا تغالوا بكفني, الحيِّ أحوج إلى الجديد من الميِّت، أي: لا ألبث إلَّا يسيرًا حتَّى أبدل بهما(29) خيرًا منهما أو شرًّا منهما، ومنه قول(30) ابن الحنفيَّة: ليس للميِّت من الكفن شيء، إنَّما(31) هو تكرمة للحيِّ.
          وأمَّا من خالف هذا ورأى(32) تحسين الأكفان، فروي عن عُمَر بن الخطَّاب أنَّه قال: أحسنوا أكفان موتاكم؛ فإنَّهم يبعثون فيها يوم القيامة. وعن معاذ بن جبل مثله، وأوصى ابن مسعود أن يكفَّن في حلَّة بمائتي درهم.
          وروى روح عن زكريَّا بن إسحاق قال: حدَّثنا أبو الزُّبير عن جابر أنَّ النَّبيَّ(33) صلعم قال: ((إذا ولي أحدكم أخاه فليُحسن كفنه)).
          قال ابن المنذر: وبحديث جابر قال الحسن وابن سيرين، وكان إسحاق يقول: يغالي بالكفن إذا كان موسرًا، وإن كان فقيرًا فلا يغالي به.
          وقوله: (إنَّما هو للمُهلةِ)، قال أبو عبيد: المهل في هذا الحديث: الصديد والقيح، والمهل في غير هذا: كلُّ فلزٍ(34) أذيب كالذَّهب والفضَّة والنُّحاس.
          وقال أبو عَمْرو: المهل في حديث أبي بكر الصِّدِّيق(35): القيح، وفي غيره: دُرْدِيُّ الزَّيت.
          وقال(36) الأصمعيُّ: حدَّثني رجل _وكان فصيحًا_ أنَّ أبا بكر قال: إنَّما هو للمَهلة والتُّراب.
          وقال بعضهم: / بكسر الميم يقال(37): للمِهلة. وقال ابن دريد: في هذا الحديث: (إنَّما هو للمهلة) قال: المهلة(38): صديد الميِّت، زعموا، والمهل: ضرب من القطران، والمهل: ما يتحاتُّ من الخبزة(39) من رماد أو غيره.


[1] قوله: ((موت)) زيادة من (م).
[2] قوله: ((قالت)) ليس في (م) وكذا قوله ((الصديق)) ليس فيها.
[3] في (م): ((في كفنتم)).
[4] في (م): ((قلت)).
[5] زاد في (م): ((رسول الله صلعم)).
[6] في (ص): ((قلت)) والمثبت من (م).
[7] في (م): ((قالت)).
[8] في (م): ((النبي)).
[9] قوله: ((وفاته)) زيادة من (م).
[10] في (ص): ((بأثواب)) والمثبت من (م).
[11] في (م): ((وقف فيه رسول الله)).
[12] قوله: ((ابن عمر إنما فعل)) ليس في (م).
[13] في (م): ((السير)).
[14] قوله: ((الوحي)) زيادة من (م).
[15] قوله: ((يوم)) ليس في (م).
[16] قوله: ((والخميس)) زيادة من (م).
[17] في (م): ((عبد)).
[18] قوله: ((يوم)) ليس في (م).
[19] في (م): ((ذكر)).
[20] زاد في (م): ((أبو عتبة)).
[21] في (ص): ((معاوية بن شعبة عن)) والمثبت من (م).
[22] في (م): ((العاصي)).
[23] في (م): ((من مات ليلة الجمعة أو يوم الجمعة)).
[24] قوله: ((ابن سعد)) ليس في (م) وفيها بعدها: ((قال حدثني أبو عثمان)).
[25] قوله: ((أبي)) زيادة من (م).
[26] في (م): ((عقبة حدثه أنه من)).
[27] قوله: ((من الميت فهذا مذهب من يرى ترك المغالاة في الأكفان)) زيادة من (م).
[28] في (م): ((هما)).
[29] في (ص): ((منهما)) والمثبت من (م).
[30] زاد في (م): ((محمد)).
[31] في (م): ((وإنما)).
[32] في (م): ((وروى)).
[33] في (م): ((رسول الله)).
[34] في (م): ((كلما)).
[35] قوله: ((الصديق)) ليس في (م).
[36] في (م): ((قال)).
[37] في (م): ((يقول)).
[38] في (م): ((والمهلة)).
[39] في (م): ((الحبر)).