شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب إذا لم يجد كفنًا إلا ما يواري رأسه أو قدميه غطى رأسه

          ░27▒ بَابُ: إِذَا لَمْ يَجِدْ كَفَنًا إِلَّا مَا يُوَارِي بِهِ رَأْسَهُ.
          أَوْ قَدَمَيْهِ غَطَّى(1) رَأْسَهُ(2).
          فيهِ: خَبَّابٌ: (هَاجَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صلعم نَلْتَمِسُ وَجْهَ اللهِ(3)، فَوَقَعَ أَجْرُنَا عَلَى اللهِ، فَمِنَّا مَنْ مَاتَ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا، مِنْهُمْ(4) مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ، وَمِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا. قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ(5) نَجِدْ مَا نُكَفِّنُهُ بِهِ(6) إِلَّا بُرْدًا(7)، إِذَا غَطَّيْنَا بِهَا رَأْسَهُ خَرَجَتْ رِجْلاهُ، وَإِذَا غَطَّيْنَا رِجْلَيْهِ خَرَجَ رَأْسُهُ، فَأَمَرَنَا النَّبيُّ صلعم(8) أَنْ نُغَطِّيَ رَأْسَهُ، وَأَنْ نَجْعَلَ على رِجْلَيْهِ مِنَ الإذْخِرِ). [خ¦1276]
          قال ابنُ المُنْذِرِ: وفيه(9) دليلٌ أنَّ الثَّوبَ إذا ضاقَ فتغطية رأس الميِّت(10) أَولى أن يُبْدَأ به من رِجْلَيهِ.
          وقال المُهَلَّبُ: إنَّما(11) أمرَه صلعم بتغطية(12) الأفضل إذا أمكن ذلك بعد ستر العورة، ولو ضاقَ الثَّوب عن تغطية رأسه وعورته لغُطِّيَتْ بذلك(13) عورته، وجُعِلَ على سائره(14) مِن الإِذْخِرِ، لأنَّ ستر العورة واجبٌ في حال الموت والحياة، والنَّظر إليها ومباشرتها باليد تحرمُ إلَّا من أحلَّ الله له ذلك من الزَّوجين.
          وفي هذا الحديث ما كان عليه صدر هذه الأمَّة من الصِّدق في وصف أحوالهم؛ ألا ترى إلى قوله: (فَمِنَّا مَنْ لَمْ يَأْكُلْ مِنْ أَجْرِهِ شَيْئًا)، يعني لم(15) يكسب من الدُّنيا شيئًا، ولا اقتناه، وقصر نفسه عن شهواتها(16) لينالها متوفِّرة(17) في الآخرة(18)، و(مِنَّا مَنْ أَيْنَعَتْ لَهُ ثَمَرَتُه(19))، يعني مِن كسب المال، ونال من عَرَضِ الدُّنيا(20).
          وفي هذا الحديث أنَّ الصَّبر على مُكابدة الفقر وصعوبته مِن منازل الأبرار ودرجات الأخيار.
          وقوله: (يَهْدِبُهَا) يُقَال: هَدَبْتُ الثَّمَرَة: جَنَيْتُها(21)، وهَدَبْتُ كلَّ حَلُوَبْةٍ(22): حَلَبْتُها بأطراف الأصابع.


[1] زاد في (ي): ((به)).
[2] في (م): ((ما يواري رأسه أو قدميه غطَّى به رأسه)).
[3] قوله: ((الله)) ليس في (م).
[4] في (ص): ((منا)).
[5] قوله: ((لَهُ ثَمَرَتُهُ، فَهُوَ يَهْدِبُهَا. قُتِلَ يَوْمَ أُحُدٍ فَلَمْ)) ليس واضحًا في (ز) وهو مثبت من (م).
[6] قوله: ((به)) ليس في (م).
[7] في (م) و(ي): ((بردة)).
[8] في (ص): ((فأمرنا ◙)).
[9] في (م) و(ص): ((فيه)).
[10] زاد في (ي): ((له)).
[11] في (م): ((قال غيره وإنَّما)).
[12] في (م): ((أمره النَّبيُّ ◙ أن يبدأ بتغطية)).
[13] في (م): ((به)).
[14] في (ي): ((على سائر جسده)).
[15] قوله: ((لم)) ليس في (م).
[16] في (م): ((شهواته)).
[17] في (م) و(ي): ((موفرة)).
[18] قوله: ((يعني لم يكسب من الدُّنيا شيئًا، ولا اقتناه، وقصر نفسه عن شهواتها لينالها متوفِّرة في الآخرة)) ليس في (ص).
[19] في (م): ((ثمرته)).
[20] في (م): ((المال فيها وبلغ إلى لذاته)).
[21] قوله: ((جنيتها)) ليس في (م).
[22] في (م): ((محلوبة)).