شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الأمر باتباع الجنائز

          ░2▒ بَابُ: الأمْرِ بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ.
          فيهِ: البَرَاءُ قَالَ(1): (أَمَرَنَا النبيُّ صلعم بِسَبْعٍ وَنَهَانَا عَنْ سَبْعٍ: أَمَرَنَا بِاتِّبَاعِ الجَنَائِزِ وَعِيَادَةِ المَرِيضِ وَإِجَابَةِ الدَّاعِي(2) وَنَصْرِ المَظْلُومِ وَإِبْرَارِ القَسَمِ وَرَدِّ السَّلامِ وَتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وَنَهَانَا عَنْ آنِيَةِ الفِضَّةِ وَخَاتَمِ الذَّهَبِ وَالحَرِيرِ وَالدِّيبَاجِ وَالقَسِّيِّ وَالإسْتَبْرَقِ). [خ¦1239]
          وفيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ خَمْسٌ: رَدُّ(3) السَّلامِ وَعِيَادَةُ المَرِيضِ وَاتِّبَاعُ الجَنَائِزِ وَإِجَابَةُ الدَّعْوَةِ وَتَشْمِيتُ العَاطِسِ). [خ¦1240]
          قال المُؤَلِّفُ: اتِّباع الجنائز ودفنها والصَّلاة عليها من فروض الكِفاية عند جمهور العلماء، واختلف أصحاب(4) مالك في ذلك، فذكر ابنُ الموَّازِ، قال عبدُ الملكِ: الصَّلاة على الميِّت فريضة يحملها من قام بها. وحكى ابنُ سَحْنُونَ عن أبيه مثله، وقال أَصْبَغُ بنُ الفَرَجِ: هي سُنَّة، وعِيادة المرضى(5) ندبٌ(6) وفضيلةٌ.
          وأمَّا إجابة الدَّاعي فإن كانت الدَّعوة إلى وليمة النِّكاح(7)، فجمهور العلماء يُوجِبُونها فرضًا(8)، ويُوجِبون الأكل فيها على من لم يكن صائمًا إن كان الطعام طيِّبًا، ولم يكن في الدَّعوة مُنكرٌ، وغير ذلك من الدَّعوات يراه العلماء حسنًا من باب الأُلفة وحُسْنِ الصُّحبة.
          وأمَّا نصر(9) المظلوم ففرض على من يقدر عليه ويُطاع أمره، وإبرار القسم(10) ندبٌ وحضٌّ(11) إذا أقسم الرجل على أخيه في شيءٍ لا مكروهٌ فيه ولا يَشُقُّ عليه، فعليه(12) أن يَبِرَّ قَسَمَه، وذلك(13) من مكارم الأخلاق.
          وَرَدُّ السَّلام(14) فرضٌ على الكِفاية عند مالكٍ والشَّافعيِّ، وعند(15) الكوفيين فرضٌ معينٌ على كلِّ واحدٍ من الجماعة، وتشميت العاطس واجبٌ وُجُوب سُنَّةٍ، والشُّرب في آنية الفضَّة واستعمالها حرام على الرِّجال(16) والنِّساء، وكذلك آنية الذَّهب، والتَّختُّم بالذَّهب حرامٌ على الرِّجال خاصَّةً، مُباحٌ للنِّساء، والحرير المُصْمَت الَّذي لا يُخالطه غيره(17) لا يجوز لباسه(18) للرِّجال، إلَّا أنَّهم اختلفوا في لباسه في الحرب(19)، وحال التَّداوي(20) للجَرَبِ وشبهه، وهو حلالٌ للنِّساء.
          وسَقَطَ من حديث البراء الخصلة السَّابعة المنهي عنها، وهي ركوب المياثر، وذكرها في حديث البراءِ في كتاب الاستئذان [خ¦6235]، وفي كتاب الأشربة [خ¦5635].
          وقوله صلعم(21): (حَقُّ المُسْلِمِ على المُسْلِمِ) يعني حقُّ حُرمَتُهُ عليه، وجميل صُحْبَتِهِ له(22) ما لم يكن فرضًا في الحديث كتشميت العاطس وعِيَادَة(23) المريض وإجابة الدَّعوة(24)، وهو قول(25) أبي هريرةَ: حقٌّ على المسلم أن يغتسل كلَّ(26) جمعةٍ، وأن يستاك ويمسَّ من طيب أهلِه. وليس شيءٌ من ذلك عندَه فرضًا، وسيأتي القول في هذا الحديث(27) مستوعبًا في كتاب الاستئذان والسَّلام [خ¦6235] فهو(28) موضعُه إن شاء الله تعالى وفي كتاب النِّكاح في إجابة دعوة الوليمة(29) [خ¦5175].


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] في (م): ((وإجابة الدَّاعي)) لعلَّه ضرب عليها.
[3] قوله: ((رد)) ليس في (ص).
[4] في (ص): ((قول)).
[5] في (م): ((المريض)).
[6] في (ص): ((مندوب)).
[7] قوله: ((النِّكاح)) ليس في (م).
[8] قوله: ((فرضًا)) ليس في (ص).
[9] في (م): ((نصرة)).
[10] زاد في (م): ((فهو)).
[11] زاد في (م): ((وذلك)).
[12] في (ي): ((عليه)).
[13] في (م): ((وهو)).
[14] زاد في (م): ((فهو)).
[15] في (م): ((وهو عند)).
[16] في (م): ((حرامٌ للرِّجال)).
[17] زاد في (م): ((أجمعوا أنَّه)).
[18] في المطبوع و(ص): ((لبسه)).
[19] في (م) و(ص): ((للحرب)).
[20] في (ص): ((للحرب والتدواي)).
[21] زاد في (م): ((في حديث أبي هريرة)).
[22] زاد في (م): ((في)).
[23] في (ص): ((وإعادة)).
[24] زاد في (م): ((وشبهه)).
[25] في (م): ((كقول)).
[26] زاد في (م): ((يوم)).
[27] في (ي): ((في هذين الحديثين)).
[28] في (ص): ((في)).
[29] في (م): ((مستوعبًا في كتاب الاستئذان والسَّلام وفي كتاب النِّكاح في إجابة دعوة الوليمة فهو موضعُه إن شاء الله)).