شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من صف صفين أو ثلاثة على الجنازة خلف الإمام

          ░53▒ بَابُ: مَنْ صَفَّ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلاثَةً على الجِنَازَةِ خَلْفَ الإمَامِ.
          فيهِ: جَابِرٌ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم صَلَّى عَلَى النَّجَاشِيِّ، فَكُنْتُ في الصَّفِّ الثَّانِي أَوِ الثَّالِثِ). [خ¦1317]
          الصُّفُوف على الجنازةِ من سُنَّةِ الصَّلاةِ عليها، وقد روى مالكُ بن هُبَيْرةَ، أنَّ النَّبيَّ صلعم قال: ((مَا مِنْ مُسْلِمٍ يُصَلِّي عَلَيْهِ ثَلَاثَةُ صُفُوفٍ مِنَ المُسْلِمِيْنَ إِلَّا أَوْجَبَ)).
          قال الطَّبَرِيُّ: فينبغي لأهل الميِّت إذا لم يُخْشَ عليه التَّغيير أن ينتظروا اجتماع قومٍ تقوم منهم ثلاثة صُفُوفٍ لخبر مالكِ بن هُبَيْرةَ.
          وقد روى الطَّبَرِيُّ مِن حديث أبي هريرةَ وعائشةَ عَنِ النَّبيِّ صلعم قالَ: ((ما مِنْ مسلمٍ صَلَّى(1) عَلَيْهِ مَائَةٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ إِلَّا شُفِّعُوا فِيْهِ)). وحديث ابن عبَّاسٍ عَنِ(2) النَّبيِّ صلعم قال: ((مَا مِنْ رَجُلٍ يَقُوْمُ عَلَى جِنَازَتِهِ أَرْبَعُونَ رَجُلًا لَا يُشْرِكُوْنَ باللهِ شَيْئًا إَلَّا شَفَّعَهُم اللهُ فِيهِ(3))).
          فإن قال قائلٌ: ما وَجْه اختلاف العدد في هذه الأحاديث الواردة فيمن يصلِّي على الميِّت فيُغفر له بصلاتهم؟
          قيل: وَجْه ذلك _والله أعلم_ أنَّها وردت جوابًا لسؤال سائلين مختلفين؛ لأنَّه صلعم لم يكن ينطق عن الهوى، فكأنَّ سائلًا سألَه صلعم مَن(4) صَلَّى عليهِ مائةُ رَجُلٍ هل يُشَفَّعُونَ فيهِ؟ قالَ(5): نعمْ، وسأله آخر: من(6) صَلَّى عليه أربعون رجلًا(7)؟ فقال مثل ذلك. ولَعَلَّه لو سُئِلَ صلعم عن أقلِّ من أربعين لقال مثل ذلك.
          وقد بيَّنا(8) في حديث مالكِ بن هُبَيْرةَ ما يدلُّ على أقلَّ من أربعين؛ لأنَّه قد يمكن أن تكون الثَّلاثة صُفُوف أقلَّ من أربعين، كما يمكن أن تكون أكثر، وإنَّما عَيَّنَ المائة والأربعين في الأحاديث المتقدِّمة وهو مِن حيِّز(9) الكثرة، لأنَّ الشَّفاعة كلَّما كَثُرَ المُشَفَّعُونَ فيها كان أَوْكَدَ لها، ولا تخلو جماعةٌ من المسلمين لهم هذا المقدار(10) أن يكون فيها فاضل لا تُرَدُّ شفاعته، أو يكون اجتماع هذا العدد بالضَّرَاعَةِ إلى اللهِ شفيعًا(11) عنده.


[1] في (ي): ((من صلى))
[2] في (م): ((أنَّ)).
[3] قوله: ((فيه)) زيادة من (م) و(ي) وفي (ي) بعدها: ((إن)).
[4] في (م): ((سأله ◙ عمَّن)).
[5] في (م): ((فقال)).
[6] في (م) و(ي): ((عمَّن)).
[7] قوله: ((رجلًا)) ليس في (م).
[8] في (م): ((جاء)).
[9] في (م): ((وهي من جنس)) وفي (ي): ((وهي من حيز)).
[10] زاد في (م): ((المسلمين بهذا المقدار من)).
[11] في (م): ((مشفَّعًا)).