شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب موعظة المحدث عند القبر وقعود أصحابه حوله

          ░82▒ باب: مَوْعِظَةِ الْمُحَدِّثِ عِنْدَ الْقَبْرِ(1) وَقُعُودِ أَصْحَابِهِ حَوْلَهُ.
          فيه عَلِيٌّ: (كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الْغَرْقَدِ، فَأَتَانَا النَّبيُّ صلعم فَقَعَدَ وَقَعَدْنَا حَوْلَهُ وَمَعَهُ مِخْصَرَةٌ، فَنَكَّسَ وَجَعَلَ(2) يَنْكُتُ بِمِخْصَرَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ، مَا(3) مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ إِلَّا كُتِبَ مَكَانُهَا مِنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِلَّا قَدْ كُتِبَتْ شَقِيَّةً أَوْ سَعِيدَةً، فَقَالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ(4) اللهِ، أَفَلا نَتَّكِلُ على كِتَابِنَا وَنَدَعُ الْعَمَلَ، فَمَنْ كَانَ منَّا مِنْ أَهْلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أَهْلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا مَنْ(5) كَانَ مِنَّا مِنْ أَهْلِ الشَّقَاوَةِ(6) فَسَيَصِيرُ إلى عَمَلِ أَهْلِ(7) الشَّقَاوَةِ، قَالَ: أَمَّا أَهْلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ(8) السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهْلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ / الشَّقَاوَةِ ثُمَّ قَرَأَ: {فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى(9)}[الليل:5-6]). [خ¦1362]
          قال المؤلِّف: فيه جواز القعود عند القبور والتَّحدُّث عندها(10) بالعلم والمواعظ.
          قال المُهَلَّب: ونَكْتهُ(11) ◙ بالمِخصَرة في الأرض هو أصل ما أفتى به أهل العلم من تحريك الإصبع في الصَّلاة للتَّشهد، ومعنى النَّكت بالمِخصَرة هو إشارة إلى المعاني، وتفصيل الكلام وإحضار القلب للفصول والمعاني، والمِخصَرة عصًا، وهذا الحديث أصل لأهل السُّنَّة في أنَّ السَّعادة والشَّقاء خلقٌ لله(12)، بخلاف قول القدريَّة الذين يقولون: إنَّ الشرَّ ليس بخلق لله(13)، وفيه ردٌّ على أهل الجبر؛ لأنَّ المُجبَر لا يأتي الشَّيء إلَّا وهو يكرهه، والتَّيسير(14) ضدُّ الجبر، ألا ترى قول الرَّسول(15): ((إنَّ الله تجاوز لي عن أمَّتي ما استُكرِهوا عليه)).
          والتَّيسير هو أن يأتي الإنسان الشَّيء وهو يحبُّه، وسيأتي بقيَّة الكلام في(16) هذا الحديث في كتاب القدر، [خ¦6605] إن شاء الله تعالى.


[1] في (ص) و(ي): ((على القبور)) والمثبت من (م).
[2] في (م) و(ي): ((فجعل)).
[3] قوله: ((ما)) ليس في (م).
[4] في (ص): ((رجل لرسول)) والمثبت من (م) و(ي).
[5] في (م): ((ومن)).
[6] في (ي): ((الشقاء)).
[7] قوله:((أهل)) ليس في (م).
[8] زاد في (م): ((أهل)).
[9] قوله:(({بالحُسنَى})) ليس في(م).
[10] في (م): ((حولها)).
[11] في (م): ((ونكت)).
[12] في (م): ((الشقاء والسعادة خلق الله تعالى)).
[13] في (م): ((بخلق الله)).
[14] في (م): ((يكرهه ولا يحبه لأن التيسير)).
[15] في (م): ((قول النبي ◙)).
[16] زاد في (م): ((معنى)).