شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التكبير على الجنازة أربعًا

          ░64▒ بَابُ: التَكبيرِ على الجَنَازَةِ أَربعًا.
          قَالَ(1) حُمَيْدٌ: صَلَّى بِنَا أَنَسٌ فَكَبَّرَ ثَلاثًا، ثمَّ سَلَّمَ(2)، فَقِيلَ لَهُ: فَاسْتَقْبَلَ القِبْلَةَ فكَبَّرَ(3) الرَّابِعَةَ ثمَّ سَلَّمَ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ الرَّسُولَ(4) صلعم نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليَوْمِ الَّذي مَاتَ فِيهِ، وَخَرَجَ بِهِمْ إلى المُصَلَّى، فَصَفَّ بِهِمْ، وَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعَ تَكْبِيرَاتٍ(5)). [خ¦1333]
          وجمهور الفقهاء على أنَّ تكبير الجنازة(6) أربعٌ، رُوِيَ ذلك عن عُمَرَ بن الخطَّابِ وزيدِ بنِ ثابتٍ وابن عُمَرَ وابن أبي أَوْفَى / والبراء بن عازبٍ وأبي هريرةَ وعُقْبَة بن عامرٍ، وهو قول عَطَاءٍ ومالكٍ والثَّوْرِيِّ والكوفيِّين والأوزاعيِّ وأحمدَ والشَّافعيِّ(7).
          واختلف الصَّحابة فيها من ثلاثٍ إلى تسعٍ(8)، وما سوى الأربع شذوذٌ لا يُلْتَفت إليه، وقال النَّخَعِيُّ: قُبِضَ رَسُولُ اللهِ صلعم والنَّاس مختلفون، فمنهم من يقول: كَبَّرَ النَّبيُّ صلعم أربعًا، ومنهم من يقول: خمسًا وسبعًا، فلما كان عُمَرُ جمع الصَّحابة، فقال: انظروا أمرًا تجتمعون عليه، فأجمع رأيهم على أربع تكبيراتٍ، فيحتمل أن يكون ما رُوِيَ عن الصَّحابة من خلافٍ في ذلك كان قبل اجتماع النَّاس على أربعٍ، وحديث النَّجَاشِيِّ أصحُّ ما رُوِيَ في ذلك.
          وقد صَلَّى أبو بَكْرٍ الصِّدِّيق على النَّبيِّ صلعم فكَبَّرَ أربعًا، وصَلَّى عُمَرُ على أبي بَكْرٍ فكَبَّرَ أربعًا، وصَلَّى صُهَيْبٌ على عُمَرُ فكَبَّرَ أربعًا، وصَلَّى الحَسَنُ بن عليٍّ على عليٍّ فكَبَّرَ أربعًا، وصَلَّى عُثْمَانُ على جنازةٍ فكَبَّرَ أربعًا، وعنِ ابنِ عَبَّاسٍ وأبي هريرةَ والبراءِ مثله، فصار الإجماع منهم قولًا وعملًا(9) ناسخًا لما خالفه، وصار إجماعهم حُجَّةٌ، وإن كانوا(10) فعلوا في عهد النَّبيِّ صلعم خلافه لأنَّهم مأمونون على ما فعلوا كما هم مأمونون على ما رووا.
          فإن قيل: فكيف(11) يكون ذلك ناسخًا، وقد كَبَّرَ عليٌّ بعد ذلك أكثر من أربع تكبيراتٍ(12)، على سَهْلِ بنِ حُنَيْفٍ ستًّا، وعلى أبي قَتَادَةَ سبعًا؟.
          قيل له: إنَّ عليًّا فعل ذلك لأنَّ أهل بدرٍ كان حُكْمُهم في الصَّلاة عليهم أن يُزاد فيها من التَّكبير على ما يكبَّر على غيرهم من سائر النَّاس، والدَّليل على ذلك ما رواه(13) ابن أبي زيادٍ، عن عبد الله بن مَعْقِلٍ قال: صَلِّيْتُ مع عليٍّ(14) على جنائز، كلُّ ذلك يُكَبِّرُ عليها أربعًا.
          قال الطَّحَاوِيُّ: فكان هذا حُكْمُ الصَّلاة على أهل بدرٍ، وقد حدَّثني القاسِمُ بنُ جعفرٍ، حدَّثني(15) زيدُ بنُ أَخْزَمَ حدَّثنا يَعْلَى بن عُبَيْدٍ، حدَّثنا سُلَيْمَانُ بنُ بَشِيْرٍ، قالَ: صَلِّيْتُ خَلفَ الأسودِ بنِ يزيدٍ وهَمَّامَ بنِ الحارثِ والنَّخَعِيِّ فكانُوا يُكبِّرُون أربعًا أربعًا. قالَ هَمَّام: وجمع عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ النَّاسَ على أربعٍ إلَّا على أهل بدرٍ، فإنَّهم كانوا يُكبِّرُون عليهم خمسًا وستًّا وسبعًا.
          قال مالكٌ: وإن صَلَّى خلف من يُكَبِّرُ الخامسةَ فلا(16) يُسَلِّم إلَّا بسلامه، ورواه عنه ابن(17) المَاجِشُونَ، وقاله مُطَرِّفٌ. وروى(18) ابنُ القاسِمِ عن مالكٍ في «العُتْبِيَّةِ» أنَّ المأموم يقطع بعد الرابعة، وكذلك في سماع ابنِ وَهْبٍ، وهو قول أبي حَنِيْفَةَ(19)، ولم يُحْفَظْ عَنِ النَّبيِّ صلعم أنَّه سَلَّمَ على الجنازة من طريق الرواية، وأجمع الصَّحابة والتَّابعون وأئمَّة الفتوى بعده(20) على السَّلام فيها، إلَّا أنَّ الفقهاء اختلفوا هل يُسلِّمُ واحدةً أو اثنتين، أكثر(21) السَّلفُ والخَلَفُ على أنَّها تسليمةٌ واحدةٌ، ورُوِيَ عن الشَّعْبِيِّ أنَّه يُسَلِّمُ تسليمتين، وهو قول أبي حَنِيْفَةَ وأصحابه، وقال الثَّوْرِيُّ: واحدةٌ عن يمينه(22).


[1] في (م) و(ي): ((وقال)).
[2] قوله: ((ثم سلم)) زيادة من (م) و(ي) وبعدها في (ص): ((فقيل له: لم)) والمثبت من (م) و(ي).
[3] في (م): ((ثم كبر)) وفي (ي): ((وكبر)).
[4] في (م) و(ي): ((النبي)).
[5] العبارة في (م): ((فصفَّ بهم وكبَّر عليه أربع تكبيراتٍ، وفيه: جابرٌ أنَّ النَّبيَّ صلعم صلَّى على النَّجاشي فكبَّر أربعًا)).
[6] في (ي): ((الجنائز)) وفي (م): ((التكبير للجنائز)). وبعدها في (م): ((وروي)).
[7] في (م): ((والشَّافعي وأحمد)).
[8] في (م): ((سبع)). وبعدها في (ص): ((ما)) والمثبت من (م) و(ي).
[9] في (م): ((وفعلًا)).
[10] زاد في (م): ((قد)).
[11] في (م): ((كيف)).
[12] في (م): ((من أربع، كبَّر)).
[13] زاد في (م): ((يزيد)).
[14] زاد في (م): ((على جنازةٍ فكَبَّرَ عليها خمسًا، ثمَّ التفت، فقال: إنَّه من أهل بدرٍ، ثمَّ صَلِّيْتُ مع عليّ)).
[15] في (م) و(ي): ((حدَّثنا)) وبعدها في (ص): ((يزيد بن أخزم)) وفي (م): ((زيد بن حرام)) والمثبت من (ي).
[16] في (م): ((وقال مالك إن صلَّى وراء من يكبِّر خمسًا لا يكبِّر معه الخامسة ولا)).
[17] قوله: ((ابن)) ليس في (ي).
[18] في (م): ((وقال به هو ومُطَرِّفٌ، ذكر ذلك ابن حَبِيْبٍ)).
[19] في (م): ((وقال أبو حَنِيْفَة يقطع المأموم بعد الأربع بسلام)).
[20] في (م): ((بعدهم)).
[21] في (م) و(ي): ((فأكثر)).
[22] قوله: ((إلَّا أنَّ الفقهاء اختلفوا هل يُسَلِّم..... وقال الثَّوريُّ: واحدةٌ عن يمينه)) ليس في (م) وبدله قوله: ((ذكرنا اختلافهم هل يُسَلِّم واحدةً أو اثنتين في باب الصَّلاة على الجنائز)).