شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما قيل في أولاد المسلمين

          ░91▒ باب: مَا قِيلَ في أَوْلادِ الْمُسْلِمِين.
          وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبيِّ ◙: (مَنْ مَاتَ لَهُ ثَلاثَةٌ مِنَ الْوَلَدِ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ كَانَ(1) لَهُ حِجَابًا مِنَ النَّارِ، وأُدْخِلَ الْجَنَّةَ).
          وفيه(2): أَنَسٌ قَالَ: قالَ النَّبيُّ صلعم: (مَا مِنَ النَّاسِ مُسْلِمٌ(3) يَمُوتُ لَهُ ثَلاثَةٌ لَمْ يَبْلُغُوا الْحِنْثَ إِلَّا أَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِفَضْلِ رَحْمَتِهِ إِيَّاهُمْ). [خ¦1381]
          وفيه: الْبَرَاءُ قَالَ: قالَ رسولُ اللهِ(4) صلعم لَمَّا تُوُفِّيَ إِبْرَاهِيمُ: (إِنَّ لَهُ مُرْضِعًا في الْجَنَّةِ). [خ¦1382]
          وقال(5) بعض العلماء: الثَّلاثة داخلة في حيِّز الكثير، وقد يُصاب المؤمن فيكون في إيمانه من القوَّة ما يصبر للمصيبة، ولا يصبر لتردادها عليه، فلذلك صار من تكرَّرت عليه المصائب فَصَبَر أوْلَى بجزيل الثَّواب، والولد من أجلِّ ما يُسرُّ به الإنسان حتَّى(6) لقد يرضى أن يفديه بنفسه، هذا هو(7) المعهود في النَّاس والبهائم، فلذلك قصد رسول الله صلعم إلى أعلى المصائب والحضِّ على الصَّبر عليها.
          وقد رُوي عنه ◙ أنَّه قال: ((لا يموت لأحدٍ من المسلمين ثلاثةٌ من الولد فيحتسبهم إلَّا كانوا له جُنَّةً من النَّار))، ومعنى الحِسْبَةِ: الصَّبر لما ينزل به، والاستسلام لقضاء الله رجاء ثوابه(8) عليه، فإذا طابت نفسه على الرِّضا عن الله في فعله، استكمل جزيل الأجر، وقد جاء أنَّه ليس شيء من الأعمال يبلغ مبلغ الرِّضا عن الله في جميع النَّوازل، وهذا معنى قوله تعالى: {رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ}[المائدة:119]يريد رضي أعمالهم، ورضوا عنه(9) بما أجرى عليهم من قضائه، وما أجزل لهم من عطائه.
          وقوله: (لَمْ يَبلُغُوا الحِنْثَ) يريد لم يبلغوا أن تجري عليهم الأقلام بالأعمال، والحنث: الذَّنب العظيم.
          وقوله(10) ◙ في حديث أنسٍ: (أدخلَهُ الله الجنَّة بفضلِ رحمته إيَّاهم)، هو(11) دليل قاطع أنَّ أولاد المسلمين في الجنَّة؛ لأنَّه لا يجوز أن يرحم الله تعالى الآباء من أجل من ليس بمرحوم، ويشهد لصحَّة هذا قوله ◙ في ابنه إبراهيم: ((إنَّ له مرضعًا في الجنَّة))، وعلى هذا القول جمهور علماء المسلمين أنَّ أطفال المسلمين(12) في الجنَّة إلَّا المجبرة، فإنَّهم عندهم(13) في المشيئة، وهو قول مجهولٌ مردودٌ بإجماع(14) الحجَّة الذين لا يجوز عليهم الغلط، ولا يسوغ مخالفتهم.


[1] في (م): ((كانوا)). وبعدها في (ص): ((أو دخل)) والمثبت من (م).
[2] في (م): (فيه) وقوله: ((قال)) لم تتكرر فيها.
[3] قوله: ((ما من الناس مسلم)) ليس في (م).
[4] في (م): ((البراء قال النبي)).
[5] في (م): ((قال)).
[6] قوله: ((حتى)) زيادة من (م).
[7] قوله: ((هو)) ليس في (م).
[8] قوله: ((رجاء ثوابه)) زيادة من (م).
[9] قوله: ((عنه)) ليس في (م).
[10] في (م): ((قال وقوله)).
[11] في (م): ((فهو)).
[12] قوله: ((المسلمين)) ليس في (م).
[13] في (م): ((فإن الأطفال عندها)).
[14] في (م): ((وهو قول مهجور بإجماع)).