شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة على الجنائز بالمصلى والمسجد

          ░60▒ بَابُ: الصَّلاةِ على الجَنَائِزِ بِالمُصَلَّى وَالمَسْجِدِ.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ:(1) (نَعَى لَنَا رَسُولُ اللهِ صلعم النَّجَاشِيَّ صَاحِبَ الحَبَشَةِ، اليَوْمَ الَّذي مَاتَ فِيهِ، فَقَالَ: اسْتَغْفِرُوا لأخِيكُمْ). [خ¦1327] [خ¦1328]
          وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: (أنَّ الرَّسُولَ(2) صلعم صَفَّ بِهِمْ بِالمُصَلَّى، فَكَبَّرَ عَلَيْهِ أَرْبَعًا).
          وفيهِ: ابنُ عُمَرَ: (أَنَّ اليَهُودَ جَاؤُوا إلى الرَّسُولِ(3) صلعم بِرَجُلٍ مِنْهُمْ وَامْرَأَةٍ زَنَيَا، فَأَمَرَ بِهِمَا فَرُجِمَا قَرِيبًا مِنْ مَوْضِعِ الجَنَائِزِ عِنْدَ(4) المَسْجِدِ). [خ¦1329]
          قال المُؤَلِّفُ: المُصَلَّى موضعٌ يُصَلَّى فيه على الجنائز، وإنَّما ذكر المسجد في هذه التَّرجمة لاتصاله بمُصَلَّى الجنائز(5)، فلذلك ترجم له(6).
          قال ابنُ حَبِيْبٍ: إذا كان مُصَلَّى الجنائز قريبًا مِن المسجد أو لاصقًا به مثل مُصَلَّى الجنائز بالمدينة، فإنَّه لاصقٌ(7) بالمسجد من ناحية السُّوق، فلا بأس بوضع الجنائز(8) في المُصَلَّى خارجًا من(9) المسجد، وتمتدُّ الصُّفُوف بالنَّاس في المسجد كذلك.
          قال مالكٌ(10): فلا(11) يُعجبني أن يُصَلَّى على أَحَدٍ في المسجد. وهو قول ابنِ أبي ذئبٍ وأبي حَنِيْفَةَ وأصحابه، ورُوِيَ مثله عن ابنِ عبَّاسٍ.
          قال ابن حَبِيْبٍ(12): ولو فعل ذلك فاعلٌ ما كان ضيقًا ولا مكروهًا، فقد صَلَّى رَسُولُ الله صلعم على سُهِيْلِ بنِ بَيْضَاءَ في المسجد، وصَلَّى صُهَيْبٌ على عُمَرَ في المسجد، وهو قول عائشةَ، وقال ابنُ المُنْذِرِ(13): صُلِّي على أبي بَكْرٍ وعُمَرَ في المسجد، وأجاز الصَّلاة في المسجد: الشَّافعيُّ(14) وأحمدُ وإِسْحَاقُ، وقال إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ: لا بأس بالصَّلاة على الجنازة في المسجد إذا احتيج(15) إلى ذلك.
          وحُجَّة من لم يرَ الصَّلاة في المسجد ما رواه ابن أبي ذئبٍ عن صالحٍ مولى التَّوأَمَةِ(16)، عن أبي هريرةَ، عن الرسول(17) صلعم أنَّه(18) قالَ: ((مَنْ صَلَّى على جَنَازَةٍ في المَسْجِدِ(19) فَلَا شَيءَ لَهُ)).
          قال الطَّحَاوِيُّ: فلما اختلفت الآثار في هذا الباب احتَجْنَا إلى كَشْفِ ذلك لنَعْلَمَ المتأخِّرَ، فكان في حديث عائشةَ دليلٌ أنَّهم تركوا الصَّلاة على الجنائز في المسجد بعد أن كانت تُفْعَلُ فيه حتَّى ارتفع ذلك من فعلهم، وذهبت معرفته على عامَّتِهم.
          وفي إنكار من أنكر ذلك على عائشةَ، وهم يومئذٍ أصحابُ رَسُولِ الله صلعم دليل أنَّهم قد كانوا عَلِمُوا في ذلك خلاف ما عَلِمَتْ، وقال(20) الذين احتجُّوا بصلاة رَسُولِ اللهِ صلعم على سُهَيْلِ بنِ بَيْضَاءَ في المسجد: الحُجَّة في رَسُولِ اللهِ صلعم، وفيه الأُسوة الحَسَنَة، ألا ترى قول عائشةَ: ما أسرعَ النَّاس(21)، ورُوي عنها: ما أسرعَ ما نَسِيَ النَّاس. وليس من نسي عِلْمًا بحُجَّةٍ على من ذَكَرَهُ وعَلِمَهُ(22)، ولو كان قولها خطأٌ عندهم لما سكتوا عن تبيينه(23) لها.
          وقالَ إِسْمَاعِيْلُ بنُ إِسْحَاقَ: وما(24) رُوِيَ عَنِ الرسول(25) صلعم أنَّهُ قالَ(26): ((مَنْ صَلَّى على مَيِّتٍ في المَسْجِدِ فَلَا شَيءَ لَهُ))، فإسناده ضعيفٌ لا يثبت(27)، وقاله ابن المُنْذِرِ أيضًا.


[1] زاد في (ي): ((قال)).
[2] في (م) و(ي): ((النبي)).
[3] في (م) و(ي): ((النبي)).
[4] زاد في (م): ((باب)).
[5] زاد في (م): ((فيمكن أن يتصل النَّاس بمن في المسجد في صلاة الجنائز)).
[6] في (م): ((به)).
[7] قوله: ((لاصق)) ليس في (م).
[8] في (م): ((أن توضع الجنازة)).
[9] في (م): ((عن)).
[10] زاد في (م): ((في المدوَّنة لا يصلَّى عليها في المسجد إلَّا إذا ضاق خارج المسجد قال مالك)).
[11] في (م): ((ولا)).
[12] في (م): ((وهب)).
[13] في (م): ((في المسجد قال ابن المنذر: وكذلك)).
[14] في (م): ((وعمر في المسجد وهو قول الشَّافعي)).
[15] في (م): ((إن احتاج)).
[16] قوله: ((مولى التَّوأمة)) ليس في (م).
[17] في (م) و(ي): ((النبي)).
[18] قوله ((أنه)) ليس في (م).
[19] في (م): ((مسجد)).
[20] زاد في (م): ((أهل المقالة الثَّانية)).
[21] قوله ((النَّاس)) زيادة من (م) و(ي).
[22] قوله: ((وعلمه)) ليس في (م).
[23] في (م): ((تبيَّن ذلك)).
[24] في (م): ((قال إِسْمَاعِيْل وما)).
[25] في (م) و(ي): ((النبي)).
[26] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[27] في (م): ((فلا شيء له)) فاسد فلا حجَّة فيه)). وقوله بعدها: ((أيضًا)) ليس فيها.