شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصبر عند الصدمة الأولى

          ░42▒ بَابُ: الصَّبْرِ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأُولَى.
          وَقَالَ عُمَرُ: نِعْمَ العِدْلَانِ وَنِعْمَتِ(1) العِلَاوَةُ: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيْبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ} الآية[البقرة:156]، وقوله: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيْرَةٌ إِلَّا عَلَى الخَاشِعِيْنَ(2)}[البقرة:45].
          فيهِ: أَنَسٌ: قَالَ ◙: (الصَّبْرُ عِنْدَ الصَّدْمَةِ الأولَى). [خ¦1302]
          إن قيل: قد علمتَ أنَّ العبد منهيٌّ عن(3) الهُجْرِ وتَسَخُّطِ قضاء الرَّبِّ في كلِّ حالٍ، فما وَجْه خُصُوص نُزُول الثَّانية بالصَّبر في حال حُدُوثها؟ قيل: وَجْه خُصُوص ذلك أنَّ للنَّفس عند هجوم(4) الحادثة محرِّكًا على الجَزَعِ، ليس في غيرها مثله، وتلك حالٌ يضعف عن ضبط النَّفس فيها كثيرٌ من النَّاس، ثمَّ يصبر كلُّ جازعٍ بعد ذلك إلى السَّكونِ(5) ونسيان المصيبة(6)، والأخذ بقهر الصَّابر نفسه وغلبته هواها عند صدمته إيثارًا لأمر الله على هوى نفسه، ومنجزًا لموعوده(7)، بل السَّالِي عن مُصابه لا يستحقُّ اسم الصَّبر على الحقيقة(8)، لأنَّه آثر السَّلْو على الجَزَعِ واختاره.
          وإنَّما الصَّابر على الحقيقة من صَبَّر نفسه، وحبسها عن شهوتها، وقَهَرَها عن(9) الحزن والجَزَع والبكاء الَّذي فيه راحة النَّفس(10) وإطفاءٌ لنار الحزن، فإذا قابل سَورة الحزن وهجومه بالصَّبر الجميل، واسترجع عند ذلك، وأشعر نفسه أنَّه لله مِلْكٌ، لا خُرُوج له عن قضائه، وإليه راجعٌ بعد الموت ويلقى حزنه بذلك، انقمعت نفسه، ودُلَّت(11) على الحقِّ، فاستحقَّت(12) جزيل الأجر.
          قال المُهَلَّبُ: وقول عُمَرَ(13): (نِعْمَ العِدْلَانِ ونِعْمَتِ(14) العِلَاوَة) فقيل: (العِدْلَان): الصَّلوات والرَّحمة، (والعِلَاوَة): {وَأُولَئِكَ هُمُ المُهْتَدُونَ}[البقرة:157]، وقيل: {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ}[البقرة:156]عِدْلَان(15) والعِلَاوَة: الَّتي يُثاب عليها.


[1] في (م): ((ونعم)).
[2] قوله: (({وإنَّها لَكَبِيْرَةٌ إلَّا عَلَى الخَاشِعِيْنَ})) ليس في (م) وبدله قوله: ((الآية)).
[3] زاد في (م): ((قول)).
[4] في (م): ((نزول)).
[5] في (ي): ((السلو)).
[6] زاد في (م): ((وكان الفرق بين الصَّبرين اللَّذين أحدهما سلو عن المصيبة)). وبعدها فيها: ((والأخذ لقهر)).
[7] في (م): ((لموعده فرقًا بينًا)).
[8] زاد في (م): ((عند صدمة الحزن)).
[9] في (م): ((على)).
[10] في (م): ((للنَّفس)).
[11] في (ي): ((وذلك)).
[12] في (م): ((فاستحقَّ)).
[13] قوله: ((وقول عمر)) زيادة من (م) و(ي).
[14] في (م): ((ونعم)).
[15] قوله: ((عدلان)) زيادة من (م) و(ي).