شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب القيام للجنازة

          ░46▒ بَابُ: القِيَامِ إِلَى الجَنَازَةِ.
          فيهِ: عَامِرُ بنُ رَبِيعَةَ قَالَ: قَالَ(1) النَّبيُّ صلعم: (إِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ(2) فَقُوْمُوا حَتَّى تُخَلِّفَكُمْ أَوْ تُوْضَعَ). [خ¦1307]
          قال المُهَلَّبُ: معنى القيام للجنازة _والله أعلم_ على التَّعظيم لأمر الموت، والإجلال لأمر الله ╡؛ لأنَّ الموت فزعٌ، فيجب استقباله بالقيام له والجدِّ، وقد رُوِيَ هذا المعنى عن النَّبيِّ صلعم وروى مُحَمَّد بن كثيرٍ عن الأوزاعيِّ عن يحيى عن أبي سَلَمَةَ عن أبي سَعِيدٍ الخُدْرِيِّ قال: قالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: ((المَوْتُ فَزَعٌ، فإِذَا رَأَيْتُمُ الجَنَازَةَ فقوْمُوا))، ذكره ابن أبي الدِّنيا(3)، ورواه ابن أبي شَيْبَةَ من حديث أبي هريرةَ، عن النَّبيِّ صلعم(4) وأخذ بظاهر حديث عامرِ بن رَبِيْعَةَ جماعةٌ من الصَّحابة والتَّابعين والفقهاء، وسأذكرهم في الباب بعد(5) هذا إن شاء الله [خ¦1308].
          ورأت طائفةٌ ألَّا يقوم للجنازة إذا مرَّت به، وقالوا: لمن تبعها أن يجلس وإن لم تُوضع، واحتَجُّوا بحديث عليِّ بن أبي طالبٍ: ((أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كَانَ يَقُوْمُ في الجَنَازَةِ(6)، ثمَّ قَعَدَ بَعْدَ ذَلِكَ(7)))، فدلَّ هذا أنَّ القيام منسوخٌ بالجُلُوس، وإلى هذا ذهب سَعِيدُ بنُ المُسَيِّبِ وعُرْوَةُ بنُ الزُّبَيْرِ ومالكُ بنُ أَنَسٍ وأبو حنيفةَ وأصحابُه والشَّافعيُّ، وأمَّا حديث عليٍّ(8) فرواه مالكٌ، عن يحيى بن سَعِيدٍ، عن واقدِ بن عُمَرَ عن(9) نافعِ بن جُبَيْرٍ عن مَسْعُوْدِ بن الحَكَمِ عن عليِّ بن أبي طالبٍ، قال: ((قَامَ رَسُولُ اللهِ صلعم في الجَنَائِزِ ثمَّ قَعَدَ))(10). رواه شٌعْبَةُ عن مُحَمَّدِ بن المُنْكَدِرِ، عن مَسْعُودِ بن الحَكَمِ عن عليِّ بن أبي طالبٍ(11) قال: ((رَأَيْنَا رَسُولَ اللهِ قَامَ فَقُمْنَا، وَرَأَيْنَاهُ قَعَدَ فَقَعَدْنَا))، فثَبَتَ نسخ الأخبار الأُولَ(12) بالقيام للجنازة.
          قال الطَّحَاوِيُّ: وحدَّثنا يُونُسُ(13) حدَّثنا ابن وَهْبٍ حدَّثنا(14) أَنَسُ بن عِيَاضٍ عن أُنَيْسِ بن أبي يحيى قال: سمعت أبي يقول: كان ابنُ عُمَرَ وأصحابُ النَّبيِّ صلعم يجلسونَ قبلَ أنْ تُوضَعَ الجنازةُ. فهذا ابنُ عُمَرَ يفعل هذا، وقد رُوِيَ عن عامرِ بن رَبِيْعَةَ، عن النَّبيِّ صلعم خلاف ذلك، فدلَّ ذلك(15) على ثُبُوت نسخ ما حَدَّثَ بِهِ عامرُ بنُ رَبِيْعَةَ.
          وحدَّثنا يُونُسُ حدَّثنا ابن وَهْبِ حدَّثنا عَمْرُو بنُ الحارثِ، أنَّ عبد الرَّحمن بنَ القاسمِ حدَّثه: أنَّ القاسم كان يجلس قبل أن توضع الجنازة، ولا يقوم لها، ويُخبر عن عائشة أنَّها قَالَتْ: كانَ أهلُ الجاهليَّةِ يقومون لها ويقولون(16): ((في أَهْلِكِ ما أَنْتِ في أَهْلِكَ...)). فهذه عائشةُ تُنْكِرُ القيام لها(17) أصلًا، وتُخبر أنَّ ذلك كان من فعل(18) الجاهليَّة، وستأتي زيادة / في هذا المعنى بعد هذا إن شاء الله تعالى في باب من قام لجنازة(19) يهوديٍّ [خ¦1311] [خ¦1312].


[1] قوله: ((قال)) لم يتكرر في (م).
[2] قوله: ((الجنازة)) ليس في (ي).
[3] العبارة في (م): ((وقد رُوِيَ هذا المعنى عن النَّبيِّ صلعم ذكره ابن أبي الدُّنيا قال حدَّثني إسحاق بن حاتم حدَّثنا مُحَمَّد بن كثير، عن الأوزاعي، عن يحيى، ابن أبي سَلَمَةَ، عن أبي سعيد الخُدْرِيِّ قال: قال رَسُولُ الله: «الموت فزعٌ، فإذا رأيتم الجنازة فقوموا»)).
[4] زاد في (م): ((مثله)).
[5] في (م): ((سأذكرهم بعد)).
[6] في (م): ((الجنائز)).
[7] قوله: ((ذلك)) ليس في (م).
[8] زاد في (م): ((بن أبي طالب)).
[9] في (م): ((واقد بن عمرو بن)).
[10] زاد في (م): ((بعد)). وفيها بعدها: ((وروى شعبة)).
[11] قوله: ((بن أبي طالب)) ليس في (م).
[12] في (ي): ((الآثار الأُولى))، وفي (م): ((الآثار)) وقوله: ((الأولى)) ليس فيها.
[13] زاد في (م): ((قال)).
[14] في (م): ((قال حدَّثني)).
[15] في (م) و(ي): ((فدلَّ تركه لذلك)).
[16] زاد في (م): ((ما أنت)).
[17] قوله ((لها)) زيادة من (م) و(ي).
[18] زاد في (م): ((أهل)).
[19] في (م): ((بجنازة)).