شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يستحب أن يغسل وترًا

          ░9▒ بَابُ: مَا يُسْتَحَبُّ أَنْ يُغْسَلَ وِتْرًا.
          فيهِ: أُمُّ عَطِيَّةَ قَالَتْ(1): (قَالَ النَّبيُّ صلعم ونحنُ نَغْسِلُ ابنتَهُ: اغْسِلْنَهَا(2) ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ(3)) الحديثَ. [خ¦1254]
          وفي حَدِيثِ حَفْصَةَ: (اغْسِلْنَهَا وِتْرًا ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ سَبْعًا).
          قال ابنُ المُنْذِرِ: في حديث أُمِّ عَطِيَّةَ: / دليلُ على أنَّ أقلَّ ما يُغَسَّلُ الميِّتُ ثلاثٌ، وعلى أنَّ الغَاسِلَ إذا رأى غَسْلَهُ أكثر من ثلاث ألَّا يُغَسِّلَهُ إلَّا وترًا، ومعنى أمره بالوتر _والله أعلم_ ليستشعر المؤمن في(4) أعماله أنَّ الله تعالى وحدَه(5) لا شريك له كما قال صلعم لسَعْدٍ حين رآه يشير بأصبعين في دُعَائه: ((أَحِّدْ أَحِّدْ))(6).
          ولا يُحفظ ذكر السَّبع في حديث أُمِّ عَطِيَّةَ إلَّا من رواية حَفْصَةَ بنت سِيرِين عنها، ولم يروِ ذلك مُحَمَّدُ بنُ سِيرِينَ عن أُمِّ عَطِيَّةَ إلَّا أنَّه روى هذه الألفاظ عن أخته، عن أُمِّ عَطِيَّةَ، وروى سائر الحديث عن أُمِّ عَطِيَّةَ.
          وقال مالكٌ والشَّافعيُّ: يُغسل الميِّت ثلاثًا أو خَمْسًا. وقال عطاءٌ: أو سبعًا(7)، وقال أحمدُ: لا يُزاد على سبعٍ. وقال الشَّافعيُّ(8): لا يُقتصر(9) عن ثلاثٍ. وروى ابنُ وَهْبٍ عن مالكٍ أنَّه ليس لغُسْلِ الميِّت عندنا شيءٌ موصوفٌ، ولكنَّه يُغَسَّلُ ويُطَهَّرُ(10)، وأحبُّ إليَّ أن يُغَسَّل ثلاثًا أو خَمْسًا كما قال صلعم.
          وقال أبو حَنِيْفَةَ: إذا زاد على الثَّلاث(11) سَقَطَ الوتر. وهذا خلاف للحديث، وذهب الكوفيُّون والثَّوْرِيُّ ومالكٌ والمُزَنِيُّ(12)، أنَّه إذا خَرَجَ منه حَدَثٌ بعد تمام غُسْلِهِ غُسِلَ ذلك الموضع، ولم يُعِدْ غُسْلَهُ؛ لأنَّها عِبَادَةٌ على الحيِّ قد أدَّاها، وليس على الميِّت عِبَادَةٌ.
          وقال الشَّافعيُّ: إن خَرَجَ منه شيءٌ بعد الغَسْلَةِ(13) الثَّالثة أُعِيدَ غُسْلُهُ.
          وقال أحمد: يُعَاد غُسْلُهُ إذا خَرَجَ منه شيءٌ إلى تسعِ(14) غَسَلاتٍ، ولا يُزاد عليها.
          والقول الأوَّل أَوْلى؛ لأنَّه لو خَرَجَ من الحيِّ بعد الغُسْلِ حَدَثٌ لم ينتقضْ غُسْلُهُ، ولا يكون حُكْمُ الميِّت أكثر من حُكْمِ الحيِّ.


[1] قوله: ((قالت)) ليس في (م).
[2] زاد في (م): ((وترًا)).
[3] قوله: ((بماء وسِدر)) ليس في (م).
[4] زاد في (م): ((جميع)).
[5] في (م): ((واحد)).
[6] زاد في (م): ((وقال النَّخعيُّ: غُسْل الميِّتِ وترٌ وتكفينه وترٌ)).
[7] في (ص): ((تسعًا)).
[8] قوله: ((يُغَسَّلُ الميِّتُ ثلاثًا أو خمسًا. وقال عطاءٌ: أو سبعًا، وقال أحمد: لا يزاد على سبعٍ. وقال الشَّافعيُّ)) ليس في (م).
[9] في (م): ((لا يقصر)).
[10] في (م): ((فيطهر قال)).
[11] في (م): ((الثَّلاثة)).
[12] زاد في (م): ((إلى)).
[13] في (م): ((الغسل)).
[14] في (م): ((سبع)).