شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: كيف الإشعار للميت

          ░15▒ بَابُ: كَيْفَ الإشْعَارُ لِلْمَيِّتِ؟
          وَقَالَ الحَسَنُ: الخِرْقَةُ الخَامِسَةُ يُشَدُّ بِهَا الفَخِذَيْنِ وَالوَرِكَيْنِ(1) تَحْتَ الدِّرْعِ.
          وفيهِ(2): أُمُّ عَطِيَّةَ: (دَخَلَ عَلَيْنَا النَّبيُّ(3) صلعم وَنَحْنُ نَغْسِلُ ابْنَتَهُ فَقَالَ: اغْسِلْنَهَا ثَلاثًا أَوْ خَمْسًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ إِنْ رَأَيْتُنَّ ذَلِكَ بِمَاءٍ وَسِدْرٍ، وَاجْعَلْنَ في الآخِرَةِ كَافُورًا، فَإِذَا فَرَغْتُنَّ، فَآذِنَّنِي، قَالَتْ: فَلَمَّا فَرَغْنَا(4)، أَلْقَى إِلَيْنَا(5) حِقْوَهُ، فَقَالَ: أَشْعِرْنَهَا إِيَّاهُ). [خ¦1261]
          وَلَمْ يَزِدْ على ذَلِكَ، وَلا أدري أيَّ بَنَاتِهِ.
          وَزَعَمَ ابنُ سِيرِينَ أَنَّ الإشْعَارَ: الفُفْنَهَا فِيهِ، وَكَذَلِكَ كَانَ ابنُ سِيرِينَ يَأْمُرُ بِالمَرْأَةِ أَنْ تُشْعَرَ وَلا تُؤْزَّرَ.
          وقوله: (أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ)، فإنَّه(6) أراد اجعلنه على جسدِها، ومنه قوله صلعم: ((الأنصَارُ شِعَارٌ(7) والنَّاسُ دِثَارٌ))، وقال ابنُ جُرِيْجٍ: قلت لعَطَاءٍ: ما معنى أَشْعِرْنَهَا إيَّاهُ، أَتُؤْزَّرُ؟ قال: لا أُراه إلَّا قال: الفُفْنَهَا فيهِ. كقول ابنِ سِيرِينَ.
          قال المُؤَلِّف: فإذا(8) لُفَّت فيه فما ولي(9) جسمها منه فهو شِعَارٌ لها، وما فَضُلَ منه(10) فتكرير لَفِّهِ عليها أستر لها من أن تُؤْزَّرَ فيه مطلقًا دون أن يُلَفَّ عليها ما فَضُلَ منه، فلذلك فُسَّرَ أنَّ الإشعارَ أُريد به لَفُّهَا في الإزارِ، وكان ابنُ سِيرِينَ أعلم التَّابعين(11)، بعلم(12) الموتى، هو وأيُّوب بعده.
          قال المُهَلَّبُ: وإنَّما أعطاها إِزَارَهُ تَبَرُّكًا بالنَّبيِّ صلعم، و(الحَقْوُ) في اللَّغة موضع عقد الإزار من الرَّجُلِ وهو الخصر، وقال صاحب «العين»: هو الكشحُ والجمع أَحْقٍ(13)، والحَقْوُ أيضًا الإزار.(14) رُوِيَ هذا كلُّه في الحديث، ففي هذا الحديث سُمِّي(15) الإزار حَقْوًا.
          وفي بابِ: هلْ تُكَفَّنُ المرأةُ في إزارِ الرَّجُلِ سُمِّي الحَقْوُ موضع عقد الإزار، فقال(16): ((فنَزَعَ مِنْ حَقْوِهِ إزارَهُ)) فهذا(17) شاهدٌ لأهل اللُّغة، وقد استدلَّ قومٌ من هذا الحديث أنَّ(18) غُسْلَ النِّساءِ للمرأةِ أَولَى من غُسْلِ زوجها لها(19)، وهذا(20) قول الشَّعْبِيِّ وأبي حَنِيْفَة والثَّوْرِيِّ. وقالوا: إنَّما لم يجزْ(21) غُسْلُهَا لأنَّه ليس في عِدَّةٍ منها، ولو ماتت هي لم يُمْنَعْ(22) من التَّزويج عُقَيبَ موتها، ولو مات هو لمُنِعَتْ من التَّزويج حتَّى تخرج من العِدَّةِ(23).
          وقال مالكٌ والأوزاعيُّ والشَّافعيُّ وأحمدُ وإسحاقُ: يُغَسِّلُ الرَّجُلُ امرأتَه إذا ماتت، واحتَجَّوا بأنَّ(24) فاطمةَ بنتَ النَّبيِّ صلعم أوصتْ(25) إلى زوجِها عليٍّ ☺(26) أن يُغَسَّلَها. وكان هذا بحضرةِ الصَّحَابَة ولم ينكره(27) منهم أحدٌ، فصارَ إجماعًا.
          واعتلَّ(28) الكوفيُّون بأنَّ لزوجِها أن يتزوَّجَ(29) أختها فلذلك لا يُغَسِّلُها؛ لأنَّه إذا غَسَّلَها وقد تَزَوَّجَ أختها فقد جمع بينهما، وهذا لا حجَّةَ فيه؛ لأنَّها في حُكْمِ الزوجيَّة(30) بدليل الموارثة، لا في حُكْمِ المبتوتة، ويجوز لكلِّ واحدٍ منهما مِن صاحبه(31) مِن النَّظر والمباشرة ما لا يجوز لغيرهما.
          وقال(32) ابنُ القَصَّارِ: والجمع بين الأختين إنَّما حَرُمَ منه الجمع بينهما بعقد النِّكاح والنَّظر إلى كلِّ واحدةٍ(33) منهما بعين الشَّهوة واللَّذَّة، وهذا غير موجود في مسألتنا، وأمَّا إذا نظر إلى إحداهما(34) على طريق الحُرْمَة المتقدِّمة، فهو جائزٌ كمن(35) ينظر إلى أُختيه(36) مِن الرَّضَاعِ، وإلى أختين مملوكتين. وأمَّا غُسْلُ المرأة زوجها(37) فهو إجماعٌ لا خلاف فيه.
          وقول المُحَدِّثِ: (لَا أَدْرِي أَيُّ بَنَاته). فقد روى عبد الرَّزَّاق عن هِشَامِ بنِ حَسَّانَ عن حَفْصَةَ بنتِ سِيرِينَ، عن أُمِّ عَطِيَّةَ قَالَتْ: تُوُفِّيَتْ زينبُ بنتُ رَسُولِ اللهِ صلعم، فقال رَسُولُ اللهِ صلعم: ((اغْسِلْنَهَا ثَلَاثًا أوْ خَمْسًا))(38)، وقال بعض أهل السِّيَر: هي أُمُّ كُلْثُوم.


[1] في (م): ((يشدُّ بها الوركان والفخذان)).
[2] في (م): ((فيه)).
[3] في (ص): ((الرسول)).
[4] في (م): ((دخل علينا النَّبيُّ صلعم ونحن نغسل ابنته... إلى قوله فلمَّا فرغنا)).
[5] زاد في (م): ((النَّبيّ صلعم)).
[6] قوله: ((فإنَّه)) ليس في (م). في (ص): ((فإنما)).
[7] في (ص): ((شعاري)).
[8] في (م): ((وإذا)) .
[9] في (م): ((مما ولي))، وفي المطبوع و(ص): ((فيه مما يلي)).
[10] قوله: ((منه)) ليس في (ص).
[11] في (م): ((النَّاس)).
[12] في (م): و(ص)((بغسل))، وفي (ي): ((بعمل)).
[13] في المطبوع: ((أَحْقَاءٌ)). في (م): ((أحق، وقال الأصمعي وحقتي...)).
[14] زاد في (ي) و(ص): ((وقد)).
[15] في (م): ((وقد روي هذان الوجهان في الحديث ففي هذا الباب)).
[16] في (م): ((قال)).
[17] في (م): ((وهذا)).
[18] في (م): ((بأنَّ)).
[19] قوله: ((لها)) ليس في (ي).
[20] في (م): ((هذا)).
[21] زاد في (م): ((له)).
[22] في المطبوع و(ص): ((لم يمتنع)). في (م): ((ولو ماتت لم يمنع)).
[23] في المطبوع: ((عدتها)).
[24] في (م): ((إذا ماتت لأنَّ)).
[25] في (م): ((فاطمة ♦ أوصت)).
[26] في (م): ((إلى عليٍّ زوجها)).
[27] في (م): ((ولم ينكر)).
[28] زاد في (م): ((أيضًا)).
[29] في (ص): ((زوجها يتزوج)).
[30] في المطبوع و(ص): ((الزَّوجة)).
[31] قوله: ((من صاحبه)) ليس في (م).
[32] في (م): ((قال)).
[33] في (م): ((واحد)).
[34] في (م): ((أحدهما)).
[35] في (م): ((كما)).
[36] في (م): ((أخته)).
[37] في (م): ((لزوجها)).
[38] زاد في (م): ((الحديث)).