شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل اتباع الجنائز

          ░57▒ بابُ: فَضْلِ اِتِّبَاعِ الجَنَائِزِ.
          وَقَالَ زَيْدُ بنُ ثَابِتٍ: إِذَا صَلَّيْتَ فَقَدْ قَضَيْتَ الَّذي عَلَيْكَ. وَقَالَ حُمَيْدُ بنُ هِلَالٍ: مَا عَلِمْنَا على الجَنَازَةِ مِنْ إِذْنٍ(1)، وَلَكِنْ مَنْ صَلَّى ثمَّ رَجَعَ فَلَهُ قِيرَاطٌ(2).
          وفيهِ: ابنُ عُمَرَ أَنَّهُ(3) حَدَّثَ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ: مَنْ تَبِعَ الجَنَازَةً(4) فَلَهُ قِيرَاطٌ، فَقَالَ: أَكْثَرَ أَبُو هُرَيْرَةَ عَلَيْنَا، فَصَدَّقَتْ _يعني: عَائِشَةَ_ أَبَا هُرَيْرَةَ، وَقَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَقُولُهُ. [خ¦1323] [خ¦1324]
          اختلف العلماء في الانصراف من الجنازة، هل يحتاج إلى إذنٍ أم لا؟ فرُوِيَ عن زَيْدِ بنِ ثابتٍ وجابرِ بنِ عبدِ اللهِ وعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ والقاسِمِ بنِ مُحَمَّدٍ والحَسَنِ(5) وقَتَادَةَ وابنِ سِيرِينَ وأبي قِلَابَةَ أنَّهم كانُوا ينصرفون إذا وُرِيَتِ الجنازةُ ولا يستأذنون, وهو قول الشَّافعيِّ وجماعةٍ من العلماء. ولمالكٍ وأصحابِهِ جواز الانصراف قبل الصَّلاة عليها وبعدها دون إِذْنٍ، سأذكره في الباب بعد هذا إن شاء الله [خ¦1325].
          وقالت طائفةٌ: لا بُدَّ من الإذن في ذلك، رُوِيَ هذا عن عُمَرَ وابنِ مَسْعُودٍ وابنِ عُمَرَ وأبي هريرةَ، والمِسْوَرِ بنِ مَخْرَمَةَ والنَّخَعِيِّ أنَّهم كانوا لا ينصرفون حتَّى يستأذنوا. وروى ابنُ عبدِ الحَكَمِ عن مالكٍ قال: لا(6) يجب لمن شَهِدَ جنازة أن ينصرف عنها(7) حتَّى يُؤْذَنَ له إلَّا أن يطول ذلك.
          والقول الأوَّل أَوْلى بالصَّواب بدليل قوله صلعم: ((مَنْ شَهِدَ جَنَازَةً فَلَهُ قِيَراطٌ، ومَنْ شَهِدَ حتَّى تُدْفَنَ كَانَ لَهُ قِيَرَاطَانِ)) لأنَّ قوله(8): ((حتَّى تُدْفَنَ)) لفظ حَضٍّ وترغيبٍ(9)، لا لفظ حَتْمٍ ووُجُوبٍ، ألا ترى قول زَيْدِ بنِ ثابتٍ: (إذا صَلِّيْتَ فقد قَضَيْتَ الَّذي عليكَ).


[1] في (م) و(ي): ((على الجنازة إذنًا)).
[2] في (م): ((قيراطه)).
[3] قوله: ((أنَّه)) ليس في (م).
[4] في (م): ((جنازة)).
[5] قوله: ((والحسن)) زيادة من (م) و(ي). وبعدها في (م): ((وابن سيرين وأبو قِلابة وقتادة)).
[6] في (م): ((ولا)).
[7] قوله: ((عنها)) ليس في (م).
[8] زاد في (ي): ((من شهد)).
[9] زاد في (م): ((وتخيير)).