شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الثياب البيض للكفن

          ░18▒ بَابُ: الثِّيَابِ البِيْضِ للكَفَنِ.
          فِيهِ: (عَائِشةُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم كُفِّنَ فِي ثَلاثَة أَثْوَاب يَمَانِيَةٍ بِيْضٍ سَحُولِيَّةٍ مِنْ كُرْسُفٍ، لَيْسَ فِيها قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ). [خ¦1264]
          وترجم له بابُ: الكَفَنِ بغيرِ قَمِيْصٍ، وبابُ: الكَفَنِ بغيرِ عِمَامَةٍ.
          قال ابنُ المُنْذِرِ(1): ورُوِيَ(2) عَنِ النَّبيِّ(3) صلعم أنَّه قال: ((خَيْرُ ثِيَابِكُمُ البِيَاضُ، فألبِسُوْهَا أحيَاءَكُمْ، وكَفِّنُوا فيها(4) مَوْتَاكُمْ))، والسَّحُولِيَّةُ: البِيْضُ(5)، والسَّحْلُ: الثَّوْبُ الأبيضُ(6)، وقيل(7): إنَّ سُحُولَ قريةٌ باليمن تُصنَعُ بها ثِيَابُ / القُطْنِ، وتُنْسَبُ إليها، والكُرْسُفُ: القُطْنُ.
          والفقهاء يستحبُّون في الكَفَنِ ما في هذا الحديث، ولا يرون في الكَفَنِ شيئًا واجبًا لا يتعدَّى، وما ستر العَوْرَة أجزأ عندهم. قال مالكٌ: ليس في كَفَنِ الميِّت حدٌّ، ويُستحبُّ الوتر. وقال مَرَّةً: لا أحبُّ أن يُكَفَّنَ في أقلِّ من ثلاثةِ أثوابٍ.
          وقال(8) ابنُ القَصَّارِ: ولا(9) يُستحَبُّ القميصُ في الكَفَنِ، والسُّنَّة تركه. وبه قال الشَّافعيُّ.
          وروى يحيى عن ابنِ القَاسِمِ في «العُتْبِيَّةِ» أنَّه لا يُقَمَّصُ الميِّتُ، ولا يُعَمَّمُ، ويُدرج في ثلاثة أثوابٍ بيضٍ إدراجًا، كما فُعِلَ بالنَّبيِّ صلعم، وكان جابرُ بنُ عبدِ اللهِ وعَطَاءٌ(10) لا يُعَمِّمَانِ الميِّت.
          وقالت طائفةٌ:(11) بالقميص والعِمَامَة في الكَفَنِ. رُوِيَ ذلك عن ابنِ عُمَرَ.
          وقال ابنُ حَبِيْبٍ: استحبَّ مالكٌ للرَّجُلِ(12) خمسة أثوابٍ يعدُّ فيها القميص والعِمَامَة والمِئْزَر، ويُلَفُّ في ثوبين، وقال في «المدوَّنة»: من شأن الميِّت أن يُعَمَّم عندنا.
          وقال أبو حَنِيْفَة: لا بأس أن يُكَفَّنَ في قميصٍ.
          قال أبو عبدِ اللهِ بنِ أبي صُفْرَةَ ☼: قوله(13): (لَيْسَ فِيها قَمِيصٌ وَلا عِمَامَةٌ) يدلُّ أنَّ القميصَ الَّذي غُسِّلَ فيه النَّبيُّ صلعم(14) نُزِعَ عنه حين كُفِّنَ؛ لأنَّه إنَّما قيل: لا تنزعُوا القميصَ ليسترَ به، ولا يكشف جسده، فلما سُتِرَ بالكَفَنِ استُغنيَ عن القميصِ، ولو لم يُنزع القميص حين كُفِّنَ لخرج عن(15) الوتر الَّذي أَمر به النَّبيُّ ◙ واستحسنه في غير ما شيء(16) استشعارًا للتوحيد، وكانت تكون أربعةً بالثَّوب المبلول، ويُستبشع أن يُكفَّنَ(17) على قميصٍ مبلولٍ.
          فإن قيل: فقد روى يزيدُ بنُ أبي زيادٍ عن مِقْسَمٍ، عن ابنِ عبَّاسٍ قال: ((كُفِّنَ رَسُولُ اللهِ صلعم في ثلاثةِ أثوابٍ: قَمِيْصُهُ الَّذي ماتَ فيه، وحُلَّةٌ نَجْرَانِيَّةٌ)).
          قيل: هذا حديثٌ انفرد به يزيدُ بنُ أبي زيادٍ، لا(18) يحتجُّ له(19) لضعفه، وحديث عائشةَ أصحُّ، الَّذي نفت عنه القميص.


[1] قوله: ((قال ابن المنذر)) ليس في (م).
[2] في (م): ((روي)).
[3] في (ص): ((الرسول)).
[4] في المطبوع و(ص): ((بها)).
[5] زاد في (م): ((قال المُسَيَّب بن عَنْبَسٍ: في الآل يخفضها ويرفعها ريع يلوِّح كأنَّه سحل)).
[6] زاد في (م): ((شبِّه الطِّريق به)).
[7] في (م): ((وقد قيل)).
[8] في (م): ((قال)).
[9] في (ص): ((لا)).
[10] قوله: ((وعطاء)) ليس في (م).
[11] زاد في (م) و(ي) و(ص): ((لا بأس)).
[12] زاد في (م): ((في الكفن)).
[13] في (م): ((وقوله)).
[14] قوله: ((النَّبيَّ صلعم)) ليس في (م). في (ص): ((الرسول)).
[15] زاد في (م) و(ص): ((حد)).
[16] في (م): ((في غير ما شيء)) لعلَّه ضرب عليها. في (ص): ((في غيره)).
[17] في (م): ((يكون)).
[18] في (ي) و(ص): ((ولا)).
[19] في (م): ((زياد وهو لا يحتج به)). في (ص): ((به)).