شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من يدخل قبر المرأة

          ░71▒ بابُ: مَنْ يَدْخُلُ قَبْرَ المَرْأَةِ.
          فيه: أَنَسٌ قَالَ(1): (شَهِدْنَا بِنْتَ رَسُولِ اللهِ(2) صلعم وَرَسُولُ اللهِ صلعم جَالِسٌ على القَبْرِ، فَرَأَيْتُ عَيْنَيْهِ(3) تَدْمَعَانِ فَقَالَ: هَلْ فِيكُمْ مِنْ أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ؟ فَقَالَ أَبُو طَلْحَةَ: أَنَا، قَالَ: فَانْزِلْ في قَبْرِهَا)، قَالَ(4) ابنُ المُبَارَكٍ: قَالَ فُلَيْحٌ(5): أُرَاهُ يعني: الذَّنْبَ. [خ¦1342]
          قوله صلعم(6): (يُقَارِفِ اللَّيْلَةَ) فإنَّه أراد الجِمَاع، وليس كما قال فُلَيْحٌ أنَّه الذَّنْبُ، لأنَّ المُقَارَفَةَ أيضًا عند العرب: المُجَامَعَةُ.
          قال أبو عُبَيْدٍ: في حديثِ عائشةَ: ((كَانَ النَّبيُّ صلعم يُصْبِحُ جُنُبًا في رَمَضَانَ مِنْ قِرَافٍ غَيْر احتِلَامٍ، ثمَّ يَصُومُ)).
          قال أبو عُبَيْدٍ: القِرَافُ هاهنا: الجِمَاعُ، وكلُّ شيءٍ خَالَطْتَهُ ووَاقَعْتَهُ فقدْ قَارَفْتَهُ.
          وقد روى البخاريُّ في «تاريخه» ما يَشْهَدُ لذلكَ قَالَ: حَدَّثَنَا عبدُ اللهِ بنُ محمَّدٍ المُسْنِدِي قَالَ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ قالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ، عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَنَسٍ قَالَ: لمَّا ماتَتْ رُقَيَّةُ قَالَ رَسُولُ اللِه صلعم: ((لَا يَدْخُلُ القَبْرَ رَجُلٌ قَارَفَ أَهْلَهُ اللَّيْلَةَ))، فلمْ يَدْخُلُ عُثْمَانُ القَبْرَ.
          قال البخاريُّ: لا أدري ما هذا والنَّبيُّ(7) لم يشهد رُقَيَّةَ، وقال الطَّبَرِيُّ: روى(8) أَنَسٌ: أنَّ النَّبيَّ صلعم، لمَّا نَزَلَتْ(9) أُمُّ كُلْثُوم بِنْتُ النَّبيِّ صلعم في قَبْرِهَا قَالَ(10): (لَا يَنْزِلُ في قَبْرِهَا / أَحَدٌ قَاَرَفَ(11) اللَّيْلَةَ).
          فذِكْرُ رُقَيَّةَ فيه وَهْمٌ _والله أعلم_ ولذلك ذَكَرَ(12) البخاريُّ في هذا الباب حديث أَنَسٍ قال: شَهِدْنَا بِنْتَ(13) النَّبيِّ صلعم، ولمْ يَذْكُرْ فيه رُقَيَّةَ، ولم يدخل(14) حديث المُسْنِدِي في هذا(15)، وهذا يدلُّ على صواب قول الطَّبَرِيِّ، واللهُ أعلمُ، وذكر البخاريُّ أنَّ أُمَّ كُلْثُوم كانَتْ تحت عُثْمَان بن عَفَّانَ بعد رُقَيَّةَ ابنةِ النَّبيِّ صلعم(16).
          وذهب العلماء إلى أنَّ زوج المرأة أَوْلى بإلحَادِهَا مِن الأب والولد ولا خلاف بينهم أنَّه يجوز للفاضل غير الوليِّ أن يُلْحِدَ المرأةَ إذا عُدِمَ الوليُّ، ولمَّا كان النَّبيُّ صلعم أولى بالمؤمنين من أنفسهم، ولم(17) يَجُزْ لأَحَدٍ التقدُّمَ بين يديه في شيءٍ لقوله ╡: {لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللهِ وَرَسُولِهِ}[الحجرات:1]ولم يكن(18) لعُثْمَانَ أن يتقدَّمَ بين يدي رَسُولِ اللهِ صلعم في(19) إلحادِ زوجتِهِ.
          وأمَّا قولُهُ ◙: (هَلْ فِيكُمْ مِنْ(20) أَحَدٍ لَمْ يُقَارِفِ أهله اللَّيْلَةَ؟) فيحتمل(21) أن يُسْتَدَلَّ على معناه بقوله في حديث المُسْنِدِي: فلم يَدْخُلْ عُثْمَانُ القَبْرَ، ودلَّ سكوت عُثْمَانَ وتركه المشاحَّة في إلحاد أهله أنَّه قد كان قَارَفَ تلك اللَّيلة بعض خدمه؛ لأنَّه لو لم يُقَارِفْ لقال: أنا لم أُقَارِفْ فأتولَّى(22) إلحاد أهلي، بل كان يحتسب خدمته في ذلك(23) مِن أزكى أعماله عند الله، وكان أولى(24) مِن أبي طَلْحَةَ لو ساواه في ترك المُقَارَفَةِ، فأراد(25) صلعم أَنْ يمنعه إلحَادَهَا(26) حِيْنَ لمْ يَمْنَعْهُ حُزْنُهُ بموتِ(27) ابنةِ النَّبيِّ صلعم، وانقطاعِ صِهْرِهِ منه، عَنِ المُقَارَفَةِ تلكَ اللَّيلةَ على طَرَاوَةِ(28) حُزْنِهِ وحَادِثِ مُصَابِهِ لمَنْ لا عِوَضَ منها، وقدْ قالَ صلعم: ((كُلُّ سَبَبٍ وَنَسَبٍ يَنْقَطِعُ(29) يَوْمَ القِيَامَةِ إلَّا سَبَبِي ونَسَبِي)). رواه(30) عُمَرُ بنُ الخَطَّاب وابنُ عَبَّاسٍ وأبو رافعٍ والمِسْوَرُ، كلُّهم عَنِ النَّبيِّ(31) صلعم ذَكَرَها كلَّها الطَّبَرِيُّ، فعاقبه(32) صلعم بأن حَرَمَهُ هذه الفَضِيْلَةِ، وكان عُثْمَانُ كثير الخَدَمِ والمالِ، وفيه فَضْلُ عُثْمَانَ وإيثاره الصِّدْقَ(33) حتَّى لم يَدَّعِ تلك اللَّيلةِ ترك المُقَارَفَةِ(34)، وإنْ كانَ عليهِ بعض الغضاضةِ في إلحادِ غيره لزوجتِهِ.


[1] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[2] في (م): ((شهدنا ابنة النَّبيِّ)).
[3] في (م): ((القبر وعيناه)).
[4] في (م): ((فانزل في قبرها فنزل في قبرها وقال)).
[5] في (ص) و(ي): ((قال ابن المبارك فليلج)) والمثبت من (م).
[6] في (م): ((قال المؤلِّف: قوله صلعم: (هل فيكم من أحد لم). وقوله بعدها: ((فإنَّه)) زيادة من (م) و(ي).
[7] في (م): ((النَّبيُّ)).
[8] في (م): ((قال الطبري روي عن)).
[9] في (م): ((صلعم قال ذلك لما أنزلت)).
[10] قوله: ((قال)) ليس في (م).
[11] زاد في (م): ((أهله)).
[12] قوله: ((ذكر)) زيادة من (م) و(ي).
[13] في (م): ((ابنة)).
[14] في (ص): ((يذكر)) والمثبت من (م) و(ي).
[15] زاد في (م): ((الكتاب)).
[16] زاد في (م): ((قال غيره: والمحفوظ عن أهل السير: أن عُثْمَان تزوج أمَّ كلثوم سَنة ثلاثٍ من الهجرة بعد رقيَّة وكانت رقيَّة توفيت يوم بدرٍ وذلك سنة ثلاث ومكثت أمُّ كلثوم عند عُثْمَان من السَّنة الثَّالثة إلى سنة تسع من الهجرة. وقيل: إنَّه نزل في قبرها عليٌّ والفضل وأبو طلحة)).
[17] في (م): ((بالمؤمنين لم)).
[18] في (م): ((لم يكن)).
[19] في (م): ((يديه في)).
[20] قوله: ((من)) زيادة من (م) و(ي).
[21] في (م): ((فيمكن)).
[22] في (م): ((فلا أترك)).
[23] في (م): ((خدمته في إلحادها)).
[24] زاد في (م): ((بذلك)).
[25] زاد في (م) و(ي) ((النبي)).
[26] في (م): ((أن يحرمه إلحاد زوجته)) وفي (ي): ((أن يحرمه إلحادها)).
[27] في (م) و(ي): ((لموت)).
[28] في (م): ((طرأة)).
[29] في (م) تحتمل: ((منقطع)).
[30] زاد في (م): ((عن النَّبيِّ ◙)).
[31] قوله: ((كلُّهم عن النَّبيِّ ◙)) ليس في (م).
[32] زاد في (م) و(ي) ((النبي)).
[33] في (م): ((عُثْمَان وصدقه)).
[34] في (م): ((حتَّى لم يَدَّعِ ترك المقارفة تلك اللَّيلة وآثر الصِّدق)) وفي (ي): ((حتَّى لم يَدَّعِ تلك المفارقة تلك اللَّيلة)).