شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب حمل الرجال الجنازة دون النساء

          ░50▒ بَابُ: حَمْلُ الرِّجَالِ الجِنَازَةِ دُوْنَ النِّسَاءِ.
          فيهِ: أَبُو سَعِيدٍ: قَالَ النَّبيُّ صلعم: (إِذَا وُضِعَتِ الجِنَازَةُ وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ على أَعْنَاقِهِمْ، فَإِنْ كَانَتْ صَالِحَةً قَالَتْ: قَدِّمُونِي، قَدِّمُونيِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ صَالِحَةٍ قَالَتْ: يَا وَيْلَهَا، أَيْنَ يَذْهَبُونَ(1) بِهَا، يَسْمَعُ صَوْتَهَا كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإنْسَانَ، وَلَوْ سَمِعَهُ لصَعِقَ). [خ¦1314]
          وترجمَ لَهُ بَابُ قَوْلِ المَيِّتِ وَهُوَ عَلَى الجِنَازَةِ قَدِّمُونِي.
          قال المُؤَلِّفُ(2): التَّرجمة تخرج مِن قوله صلعم (وَاحْتَمَلَهَا الرِّجَالُ) دليلٌ(3) أنَّ النِّساء لا يحملنها، لأنهنَّ لا يلزمهنَّ ما يلزم الرِّجال من المُؤَنِ، والقيام بالحقوق، ونصرة الملهوف، وإعانة الضعيف، وقد(4) سَقَطَ عنهنَّ كثيرٌ من الأحكام، عذرهنَّ(5) الله تعالى بضعفهنَّ، فقال: {إِلَّا المُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالوِلْدَانِ} الآية(6)[النِّساء:98]، وقالَ(7) بعْضُ النَّاسِ في قوله: (يَسْمَعُها كُلُّ شَيْءٍ إِلَّا الإنْسَانَ) إن(8) قيل: ينبغي أن يسمعها الحيوان الصَّامت بدليل هذا الحديث؛ لأنَّه إنَّما استُثني الإنسان فقط.
          قيل: هذا ممَّا لفظه العموم، والمراد به الخُصُوص، وإنَّما معناه: يسمعها كلُّ شيءٍ مميِّزٍ(9)، وهم الملائكة والجِنُّ، وإنَّما يتكلَّم روح الجنازة؛ لأنَّ الجنازة لا تتكلَّم بعد خُرُوج الرُّوح منها إلَّا أن يردَّه الله تعالى فيها(10)، فإنَّما يسمع الرُّوح مَن هو مثله ويجانسه، وهم الملائكة والجنُّ _والله أعلم_ وقد بيَّن ◙ المعنى الَّذي مِن أجله مُنِعَ الإنسان أن يسمعها، وهو أنَّه كان يُصْعَقُ لو سمعها، فأراد ╡ الإبقاء على عبادِه، والرِّفق بهم في الدُّنيا لتعمر ويقع فيها البلوى(11) والاختبار(12).


[1] في (ص): ((يذهب)) والمثبت من (م) و(ي).
[2] قوله: ((قال المُؤَلِّفُ)) ليس في (م).
[3] في (م): ((فدلَّ))، وفي (ي): ((فدليله)).
[4] في (م): ((ما يلزم الرِّجال من القيام بالأمور ونصرة المظلوم وقد)).
[5] في (م): ((وعذرهن)).
[6] قوله: ((الآية)) ليس في (م) و(ي) ومكانها: (({لَا يَسْتَطِيْعُوْنَ حِيْلَةً وَلَا يَهْتَدُوْنَ سَبِيْلًا فَأُولَئِكَ عَسَى اللهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ})).
[7] في (ص): ((وقول)) والمثبت من (م) و(ي).
[8] قوله: ((إن)) ليس في (م).
[9] في (م): ((شيء يمكنه السَّماع)).
[10] زاد في (م): ((يرده الله فيه عند فتنة القبر وإذا شاء الله ╡)).
[11] في (م): ((البلاء)).
[12] زاد في (م): ((ويتمَّ تدبير الحكيم العليم)).