شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرجل ينعى إلى أهل الميت بنفسه

          ░4▒ بَابُ: الرَّجُلُ يَنْعَى إلى أَهْلِ المَيِّتِ بِنَفْسِهِ.
          فيهِ: أَبُو هُرَيْرَةَ: (أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم نَعَى النَّجَاشِيَّ في اليَوْمِ الَّذي مَاتَ فِيهِ، خَرَجَ إلى المُصَلَّى فَصَفَّ بِهِمْ وَكَبَّرَ أَرْبَعًا). [خ¦1245]
          وفيهِ: أَنَسٌ قَالَ: قَالَ النَّبيُّ صلعم(1): (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا جَعْفَرٌ فَأُصِيبَ، ثُمَّ أَخَذَهَا عَبْدُ اللهِ بنُ رَوَاحَةَ فَأُصِيبَ، وَإِنَّ عَيْنَي رَسُولِ اللهِ صلعم لَتَذْرِفَانِ، ثُمَّ أَخَذَهَا خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ مِنْ غَيْرِ إِمْرَةٍ، فَفُتِحَ لَهُ). [خ¦1246]
          قال المُهَلَّبُ: هذا صواب التَّرجمة(2): بابُ الرَّجُلِ يَنْعَى إلى النَّاسِ الميِّتَ بنفسِهِ، وإنَّما نعى ◙ النَّجَاشِيَّ للنَّاس وخصَّه بالصَّلاة عليه وهو غائبٌ؛ لأنَّه كان عند النَّاس على غير الإسلام، فأراد أن يُعْلِم النَّاس كلَّهم بإسلامه، فيدعو له في جملة المسلمين ليناله(3) بركة دعوتهم، ويرفع(4) عنه اللَّعن المتوجِّه إلى قومه.
          والدَّليل على ذلك(5) أنَّه لم يُصَلِّ صلعم على أَحَدٍ من المسلمين ومتقدِّمِي المهاجرين والأنصار الَّذين ماتوا في أقطار البلدان، وعلى هذا جَرَى عمل المسلمين بعد النَّبيِّ صلعم، ولم(6) يُصَلِّ على أَحَدٍ مات غائبًا؛ لأنَّ الصَّلاة على الجنائز(7) من فُرُوض الكفاية يقوم بها من صَلَّى على الميِّت في البلدة(8) الَّتي(9) يموت فيها، ولم يكن بحضرة(10) النَّجَاشِيِّ مسلمٌ يُصَلِّي على جنازته، فذلك خُصُوص للنَّجَاشِيِّ، بدليل إطباق الأمَّة على ترك العمل بهذا الحديث(11).
          وقال بعض العلماء: إنَّ رُوْحَ النَّجَاشِيِّ أُحضرَ بين يدي النَّبيِّ صلعم فصَلَّى عليه، ورُفِعَتْ(12) له جنازته كما كُشِفَ له عن بيت المقدس حين سألته قريشٌ عن صفته، وعَلِمَ يوم موته ونعاه لأصحابه، وخرج فأمَّهم في الصَّلاة عليه قبل أن يُوارَى(13)، وهذه أدلَّة الخصوص، يدلُّ(14) على ذلك أيضًا إطباق الأمَّة على ترك العمل بهذا الحديث، ولم أجد لأحدٍ من العلماء إجازة الصَّلاة على الغائب إلَّا ما ذكره ابنُ أبي زيدٍ عن عبدِ العزيزِ بنِ أبي سَلَمَةَ فإنَّه قال: إذا استوقن أنَّه غرق أو قُتل أو أكلته(15) السِّباع، ولم يوجد منه شيءٌ صَلَّى عليه كما فعل النَّبيُّ صلعم بالنَّجَاشِيِّ، وبه قال ابنُ حَبِيْبٍ.
          وفي نعي النَّبيِّ صلعم للنَّجَاشِيِّ، وقوله: (أَخَذَ الرَّايَةَ زَيْدٌ فَأُصِيبَ)(16) جواز نعي الميِّت للنَّاس بخلاف(17) قول من تأوَّل نهي النَّبيِّ صلعم عن النَّعي أنَّه الإعلام بموت الميِّت، رُوي ذلك عن حُذَيْفَةَ: ((أنَّهُ كَانَ إذا ماتَ لَهُ مَيِّتٌ، قالَ: لا تؤذنُوا بِهِ أَحَدًا، فإنِّي(18) أخافُ أنْ يكونَ نعيًا، فإنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَنْهَى عَنِ النَّعْي))، وقال بذلك الرَّبِيْعُ بنُ خَيْثَمَ(19) وابنُ(20) مَسْعُودٍ وعَلْقَمَةَ، وحديث النَّجَاشِيِّ أصحُّ من حديث حُذَيْفَةَ، وإنَّما الَّذي نهى عنه النَّبيُّ ◙ فهو(21) نعي الجاهليَّة وأفعالها، وفيه علمٌ من أعلام النُّبُوَّة بإخباره(22) عن الغيب بخبر النَّجَاشِيِّ، وخبر زيدٍ وأصحابه، وسيأتي القول في معنى حديث أَنَسٍ في كتاب الجهاد إن شاء الله تعالى [خ¦2798] [خ¦3036].


[1] قوله: ((أَنَس قَالَ: قَالَ النَّبيُّ ◙)) ليس في (م).
[2] في (م): ((قال المهلَّب: صواب هذه التَّرجمة)).
[3] في (م): ((ويناله)).
[4] في (م): ((ورفع)).
[5] في (م): ((على خصوصه بذلك)).
[6] في (م): ((لم)).
[7] في (م): ((الجنازة)).
[8] في المطبوع و(ص): ((البلد)).
[9] في (ص): ((الذي)).
[10] في المطبوع و(ص): ((ولم يحضر)).
[11] قوله: ((فذلك خصوص للنَّجاشيِّ، بدليل إطباق الأمَّة على ترك العمل بهذا الحديث)) ليس في (م).
[12] في (م): ((أو رفعت)).
[13] قوله: ((أن يوارى)) ليس في (م).
[14] في (م): ((ويدلُّ)).
[15] في (م): ((أكله)).
[16] زاد في (م): ((الحديث)).
[17] في (م): ((خلاف)).
[18] في المطبوع: ((فإنَّني)).
[19] في (م): ((خثيم)).
[20] في (م): ((وأبو)).
[21] في (ص): ((وهو)).
[22] في (م): ((في إخباره)).