شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب قول الرجل للمرأة عند القبر: اصبري

          ░7▒ بَابُ: قَوْلِ الرَّجُلِ لِلْمَرْأَةِ عِنْدَ القَبْرِ اصْبِرِي.
          فيه: أَنَسٌ قَالَ: (مَرَّ النَّبيُّ صلعم بِامْرَأَةٍ عِنْدَ قَبْرٍ(1) فَقَالَ: اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي). [خ¦1252]
          قال المُؤَلِّفُ(2): إنَّما أَمَرها ◙ بالصَّبر لعظيم ما وعد الله عليه من جزيل الأجر.
          قال ابنُ عَوْنٍ: كلُّ عملٍ له ثوابٌ إلَّا الصَّبر، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُم بِغَيْرِ حِسَابٍ}[الزمر:10]، فأراد(3) صلعم لا(4) تجتمع عليها مصيبتان: مصيبة الهلاك ومصيبة فَقْدِ الأجر الَّذي يُبطله الجزع، فأمرها(5) بالصَّبر الَّذي لا بدَّ للجازع من الرُّجُوع إليه بعد سُقُوط أجرِه، وقد أحسن الحَسَنُ البصريُّ في البيان عن هذا المعنى، فقال: الحمد لله الَّذي آجرنا على ما لا بُدَّ لنا منه، وأثابنا على ما لو تكلَّفنا سواه صِرنا إلى معصيته.
          فلذلك قال لها صلعم(6): (اتَّقِي اللهَ وَاصْبِرِي) أي(7) اتَّقي معصيته بلزوم الجزع الَّذي يُحبط الأجر، واستشعري الصَّبر على المصيبة بما وعد الله على ذلك، وقال(8) بعض الحكماء لرجلٍ عزَّاه: إنَّ كلَّ مصيبةٍ لم يذْهبْ فَرَحُ ثوابِها بألمِ حُزْنِها لهي(9) المصيبةُ الدَّائمةُ، والحزنُ الباقي.
          وفي هذا الحديث دليلٌ على جواز زيارة القُبُور لأنَّ ذلك لو كان لا يجوز لما ترك ◙ بيان ذلك، ولأنكر على المرأة جُلُوسها عند القبر، وسيأتي بيان(10) هذا المعنى في بابه(11) إن شاء الله [خ¦1283].


[1] زاد في (م): ((وهي تبكي)).
[2] قوله: ((قال المؤلِّف)) ليس في (م).
[3] في (م): ((وأراد)).
[4] في (م): ((ألَّا)).
[5] في (م): ((وأمرها)).
[6] في (ص): ((قال ◙ لها)).
[7] قوله: ((أي)) ليس في (م).
[8] في (م): ((واستشعري الصَّبر على ألم المصيبة لما وعد الله عليه ولهذا المعنى قال)).
[9] في (م): ((فهي)).
[10] في (م): ((تمام)).
[11] زاد في (م): ((بعد هذا)).