شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الصلاة على النفساء إذا ماتت في نفاسها

          ░62▒ بَابُ: الصَّلَاةِ عَلَى النُّفَسَاء إِذَا مَاتَتْ مِن(1) نِفَاسِهَا.
          فِيهِ: سَمُرَةُ قالَ: صَلَّيْتُ وَرَاءَ النَّبِيِّ صلعم عَلَى امرأَةٍ مَاتَت مِنْ نِفَاسِها(2) فَقَام وَسَطَها. [خ¦1331]
          وترجم له بَابُ: مِنْ أَيْنَ يَقُومُ مِنَ المَرْأَةِ وَالرَّجُلِ؟
          قالَ الطَّحَاوِيُّ: ذهب قومٌ إلى الأخذ بحديث سَمُرَةَ، وقالوا: هذا المقام الَّذي ينبغي أن يقومه المُصَلِّي على الجنازة على(3) المرأة والرَّجُل، رُوِيَ ذلك عنِ النَّخَعِيِّ، وهو قول أبي حَنِيْفَةَ.
          وخالفهم في ذلك آخرون وقالوا(4): أمَّا المرأة فهكذا يُقَام عند وسطها، وأمَّا الرَّجُل فعند رأسه. رُوِيَ هذا عن أبي يُوسُفَ وأحمدَ بنِ حَنْبَلٍ. وروى ابن غَانِمٍ، عن مالكٍ(5) قال: يقوم عند وسط المرأة ولم يَذْكُر الرَّجُل. والحُجَّة لأبي يُوسُفَ وأحمدَ ما روى إبراهيمُ بنُ مَرْزُوْقٍ(6)، قال: حَدَّثَنا يَعْقُوبُ بنُ إِسْحَاقَ، حَدَّثَنا هِشَامٌ(7)، حَدَّثَنا أبو غَالبٍ قال: رأيْتُ أَنَسَ بنَ مالكٍ صَلَّى على(8) رَجُلٍ فقَامَ عندَ رأسِهِ، وجِيْءَ بجنازةِ امرأةٍ فقَامَ عندَ وَسَطِها، فقالَ لَهُ العلاءُ بنُ(9) زيادٍ: يا أبا حَمْزَةَ، هكذا كانَ يَفْعَل رَسُولُ اللهِ صلعم؟ قالَ: نَعَمْ.
          قال الطَّحَاوِيُّ: فبيَّن أَنَسٌ في هذا الحديث أنَّ النَّبيَّ صلعم كان يقوم من المرأة عند وسطها على ما(10) في حديث سَمُرَةَ، وزاد عليه حُكْمُ الرَّجُلِ في القيام منه للصَّلاة عند رأسه، فهو أَولى من حديث سَمُرَةَ.
          وقال أبو يُوسُفَ: إنَّما يقوم من المرأة عند وسطها؛ لأنَّها مستورةٌ بالنَّعْشِ، ومن الرَّجُل حِيال صدره؛ لأنَّه إن قام وسطه وقع بصره على فَرْجِهِ، ولعلَّ ذلك أن يبدو.
          قال الطَّحَاوِيُّ: وزَعَمَ زاعِمٌ أنَّ قيام المُصَلِّي عند وسط المرأة إنَّما كان لعِلَّةِ أنَّه لم تكن نُعُوشٌ، فكان يقوم بحيال عجيزتها يسترها عن القوم، وذلك(11) محالٌ؛ لأنَّ النُعُوش قد اتُّخِذَتْ في خلافة أبي بَكْرٍ(12)، وكان أوَّل من اتُّخِذَتْ له فاطمة بنت رَسُولِ اللهِ صلعم؛ لأنَّها قالت لهم عند وفاتها: إنِّي امرأةٌ ضئيلةٌ يراني النَّاس بعد وفاتي، فأحِبُّ أن يُسْتَر نَعْشِي بالثِّياب. وقالت أُمُّ سَلَمَةَ(13) وأسماءُ بنتُ عُمَيْسٍ أنَّها رأت في أرض الحَبَشَةِ النُعُوش، وأنَّها للنَّاس مغطاةٌ، فاتُّخِذَ لها نَعْشٌ(14)، فحُمِلَتْ(15) فيه وبقي النَّاسُ إلى يومنا هذا على ذلك(16).
          وفي المسألة قولٌ ثالثٌ ذكره سَحْنُونٌ في «المدوَّنة» عَنِ ابن مَسْعُودٍ قال: يقوم عند وسط الرَّجُل، وفي المرأة عند منكبيها. وذكر ابن المُنْذِرِ عنِ الحَسَنِ قال: لا يُبالي أين قام مِن الرَّجُل ومِن المرأة(17). وبه قال ابن شَعْبَان، وهذان القولان خلاف حديث سَمُرَةَ وحديث أَنَسٍ، ولا حُجَّةَ لهما.


[1] في (م): ((في)).
[2] قوله: ((فيه سَمُرَة قال..... ماتت من نفاسها)) زيادة من (م) و(ي).
[3] في (م): ((من)).
[4] في (م): ((فقالوا)).
[5] زاد في (م): ((أنَّه)).
[6] في (م): ((ما حدثنا إبراهيم بن مسروق)).
[7] في (م): ((همَّام)).
[8] زاد في (م): ((جنازة)).
[9] في (ص): ((وابن)) والمثبت من (م) و(ي).
[10] زاد في (ي): ((جاء)).
[11] في (م): ((من القوم وهذا)).
[12] زاد في (م): ((الصِّدِّيق)).
[13] في (ص): ((أُمُّ سُلَيْمٍ)) والمثبت من (م) و(ي).
[14] في (م): ((النُّعُوش، فاتُّخذ لها نعشٌ وأنَّها للنِّساء مغطاة)).
[15] في (ص): ((فاتُّخذت)) والمثبت من (م) و(ي).
[16] في (م): ((وبقي النَّاس على ذلك إلى يومنا هذا)) وقوله: ((على ذلك)) ليس في (ي).
[17] في (م): ((والمرأة)).