شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: ليس منا من شق الجيوب

          ░35▒ بَابُ: لَيْسَ مِنَّا مَنْ شَقَّ الجُيُوْبَ.
          فيه عَبْدُ اللهِ: قَالَ(1) صلعم: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ لَطَمَ الخُدُودَ، وَشَقَّ الجُيُوبَ، وَدَعَا بِدَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ). [خ¦1294]
          وترجمَ لَهُ: بابُ لَيْسَ مِنَّا مَنْ ضَرَبَ الخُدُودَ.
          بابُ(2) ما يُنْهَى عَنْهُ مِنَ الوَيْلِ ودَعْوَى الجَاهِلِيَّةِ.
          قالَ المُهَلَّبُ: قوله: (لَيْسَ مِنَّا) أي: ليسَ مُتَأَسِّيًا بسُنَّتِنَا، ولا مُقْتَدِيًا بِنَا، ولا مُمْتَثِلًا لطَرِيْقَتِنَا(3) الَّتي نحنُ عليها، كما قالَ صلعم: ((لَيْسَ مِنَّا مَنْ غَشَّنَا)) لأنَّ لَطْمَ الخُدُودِ وشَقَّ الجُيُوبِ مِنْ أفعالِ الجاهليَّةِ.
          وقال الحَسَن في قوله تعالى: {وَلَا يَعْصِيْنَكَ فِي مَعْرُوفٍ}[الممتحنة:12]، قال(4): لا يَنُحْنَ، ولا يَشْقُقْنَ، ولا يَخْمِشْنَ وَجْهًا(5)، ولا يَنْشُرْنَ شَعْرًا، ولا يَدْعُوْنَ وَيْلًا. وقدْ نَسَخَ(6) اللهُ ╡ ذلك بشريعةِ الإسلامِ، وأمرَ بالاقتصادِ في الحزنِ والفرحِ، وتركِ الغُلُوِّ في ذلك، وحَضَّ(7) على الصَّبر عندَ المصائبِ واحتسابِ أجرها على الله تعالى، وتفويض الأمور كلِّها إليه، فقال تعالى: {الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُوْنَ(8)}[البقرة:156]، فحقٌّ على كلِّ مسلمٍ(9) مؤمنٍ عَلِمَ سرعة الفناء ووشك الرَّحيل إلى دار البقاء ألَّا يحزن على فائتٍ مِن الدُّنيا، وأن يستشعر(10) الصَّبر والرِّضا لينال هذه الدَّرجات الرَّفيعة من ربِّه، وهي الصَّلاة والرَّحمة والهُدَى، وفي واحدٍ مِن هذه المنازل سعادة الأبد، وهبنا الله الصَّبر والرِّضا بالقضاء إنَّه كريمٌ وهَّابٌ(11).


[1] زاد في (م) و(ي): ((النبيُّ)).
[2] في (م): ((وباب)).
[3] في (م): ((ولا مُتَّبعًا سُبلنا)).
[4] زاد في (م): ((أن)).
[5] قوله:((وجهًا)) زيادة من (م) و(ي).
[6] في (م): ((ولا يدعين ويلا ونسخ)).
[7] في (م): ((وحثَّ)).
[8] زاد في (م) و(ي): (({أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمُ المُهْتَدُوْنَ})).
[9] قوله: ((مسلم)) ليس في (م).
[10] زاد في (م): ((في مصائبها)).
[11] في (م): ((والهدى وبواحدةٍ منها له اكتفاء)).