شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الميت يعرض عليه بالغداة والعشي

          ░89▒ باب: الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ مقعده بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ(1).
          فيه: ابْنُ عُمَر: أَنَّ رسولَ اللهِ(2) صلعم قَالَ: (إن أحدكم إِذَا مَاتَ(3) عُرِضَ عَلَيْهِ مَقْعَدُهُ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ، إِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَمِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ، وَإِنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ النَّارِ فَمِنْ أَهْلِ النَّارِ، فَيُقَالُ: هَذَا مَقْعَدُكَ حَتَّى يَبْعَثَكَ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) [خ¦1379]
          قال الدَّاوديُّ: قال ◙ في هذا الحديث أنَّه يعرض على ابن آدم مقعده بالغداة والعشيِّ، وفي حديث مالك عن ابن شهاب عن عبد الرَّحمن بن كعب بن مالك عن أبيه أنَّ النَّبيَّ ◙ قال: ((إنَّما نسمة المؤمن طير يعلَّق في شجرة الجنَّة حتَّى يرجعه الله تعالى إلى جسده)). فهو في معنى العرض في هذا الحديث سائر الأوقات تعلَّق في شجرة الجنَّة بمعنى ترعى إلَّا أنَّه ربَّما اطَّلعت النَّفس على القبر ويعرض عليه مقعده الذي تبوَّأه في الغداة والعشيِّ.
          قال القطَّان: ولا يدخل منزله الذي يستقرُّ فيه إلَّا يوم القيامة، وروح الكافر في سجِّين في عذاب أليم، فيعرض عليه مقعده الذي هو أشدُّ عذابًا ممَّا هو فيه بالغداة والعشيِّ كما قال تعالى في آل فرعون: {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا}[غافر:46]
          وكذلك يعرض على المؤمن منزله من الجنَّة الذي هو أشدُّ نعيمًا مما هو.
          واستدلَّ الذين قالوا: إنَّ الأرواح قد تكون في القبور في وقت دون وقت، بالإجماع على أنَّه لا غدوَّ ولا عشيَّ في الآخرة، وإنَّما هما الدُّنيا فهم يعرضون بعد مماتهم وقبل يوم القيامة على النَّار ويوم القيامة يدخلون أشدَّ العذاب(4).
          قال بعض أهل بلدنا: معنى(5) العرض في هذا الحديث الإخبار بأنَّ هذا(6) موضعُ أعمالكم، والجزاء لها عند الله، وأريد(7) بالتَّكرير بالغداة والعشيِّ تذكارهم بذلك، ولسنا نشكُّ أنَّ الأجساد بعد الموت والمساءلة هي في الذَّهاب وأكل التُّراب لها والفناء، ولا يعرض شيءٌ على فانٍ، فَبَانَ واتَّضح(8) أنَّ العرض الذي يدوم إلى يوم القيامة إنَّما هو على الأرواح خاصَّة، وذلك(9) أنَّ الأرواح لا تفنى، وأنَّها باقية إلى أن يصير العباد إلى الجنَّة أو النَّار(10).
          قال(11) الدَّاوديُّ: وممَّا يدلُّ على حياة الرُّوح والنَّفس، وأنَّهما لا يفنيان قوله ╡: {اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا} إلى {مُسَمًّى}(12)[الزمر:42]، والإمساك لا يقع على الفاني.


[1] في (م): ((باب: الْمَيِّتِ يُعْرَضُ عَلَيْهِ الجنة والنَّار بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ)).
[2] في (م): ((النبي)).
[3] في (م): ((قال: إذا مات أحدكم)).
[4] قوله: ((قال الداودي: قال ◙..... أشد العذاب)) زيادة من (م).
[5] في (م): ((وقال غيره: معنى)).
[6] في (ص): ((بأن الله)) والمثبت من (م).
[7] في (م): ((ويريد)).
[8] زاد في (م): ((واتضح)).
[9] في (م): ((ودل ذلك)).
[10] زاد في (ص): ((وقال القاضي ابن الطيب: اتفق المسلمون أنه لا غدو ولا عشي في الآخرة؛ وإنما هو في الدنيا، فهم معروضون بعد مماتهم على النار، وقيل: يوم القيامة، ويوم القيامة يدخلون أشدَّ العذاب، فمن عرض عليه النار غدوًا وعشيًا أحرى أن يسمع الكلام.
قال غيره: واستدل بهذا الحديث من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور، وهو أصحُّ ما ذهب إليه في ذلك؛ لأن الأحاديث بذلك أثبت من غيرها.)) وقد سبق هذا النقل بمعناه في باب ما جاء في عذاب القبر.
[11] في (م): ((وقال)).
[12] في (م): (({اللهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ})).