شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التعوذ من عذاب القبر

          ░87▒ باب: التَّعوُّذِ مِنْ عذابِ القبرِ.
          فيه: أبو أيُّوب: (خَرَجَ(1) النَّبيُّ صلعم وَقَدْ وَجَبَتِ الشَّمْسُ فَسَمِعَ صَوْتًا، فَقَالَ: يَهُودُ تُعَذَّبُ في قُبُورِهَا). [خ¦1375]
          وفيه: ابْنَةُ خَالِدِ ابنِ(2) سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ: (أَنَّهَا سَمِعَتِ النَّبيَّ صلعم وهوَ(3) يَتَعَوَّذُ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ). [خ¦1376]
          وفيه: أَبُو هُرَيْرَةَ قالَ(4): كَانَ رسولُ اللهِ صلعم يَدْعُو: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ عَذَابِ(5) النَّارِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ(6)). [خ¦1377]
          قال المؤلِّف: هذه الآثار تشهد للآثار التي في الباب قبل هذا، أنَّ عذاب القبر حقٌّ على ما ذهب إليه أهل السُّنَّة وتكذيب مقالة مَن أنكر ذلك(7)، ألا ترى الرَّسولَ استعاذ بالله منه، وقد عصمه الله وطهَّره، وغفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فينبغي لكلِّ من(8) علم أنَّه غير معصوم ولا مطَّهر أن يكثر التَّعوُّذ ممَّا استعاذ منه نبيُّه ◙، ففيه أكرم الأكرمين أسوة(9).
          فإن قيل: فإذا أخبر الله تعالى نبيَّه ◙أنَّه قد غُفر له ما تقدَّم من ذنبه وما تأخَّر، فما وجه استعاذته ◙ من شيءٍ قد(10) علم أنَّه قد أُعيذ منه؟
          فالجواب: أنَّ في استعاذته ◙ من كلِّ ما استعاذ منه إظهارًا(11) للافتقار إلى الله ╡، وإقرارًا بالنِّعم، واعترافًا بما يتجدَّد من شكره عليها ما يكون كفؤًا لها، ألا ترى أنَّه كان يصلِّي(12) حتَّى تتفطَّر قدماه فيُقال له: يا رسول الله(13) قد غفر الله لك ما تقدَّم من ذنبك وما تأخَّر! فيقول: ((أفلا أكونُ عبدًا شكورًا)).
          فمن عظُمت عليه نعم(14) الله وجب عليه أن يتلقَّاها بعظيم الشُّكر(15)، لاسيَّما أنبياءه وصفوته من خلقه الذين اختارهم، وخشية العباد لله على قدر علمهم به(16). وفي استعاذته ممَّا أُعيذ منه تعليم لأمَّته، وتنبيه لهم على الاقتداء به واتِّباع سنَّته(17) وامتثال طريقته، والله أعلم.
          وفي حديث أبي أيَّوب حجَّة لمن قال: إنَّ الأرواح قد تكون في القبور في بعض الأوقات لأنَّه لا يكون العذاب إلَّا للرُّوح مع الجسد ليجد ألم العذاب كما وجد لذَّة المعصية(18).


[1] في (ص): ((فيه البراء بن عازب قال: خرج)) والمثبت من (م).
[2] في (ص): ((أم)) والمثبت من (م) وبعدها في (م): ((العاصي)).
[3] قوله: ((وهو)) ليس في (م).
[4] قوله: ((قال)) ليس في (م) وفيها بعدها: ((كان النبي)).
[5] في (م): ((وعذاب)).
[6] قوله: ((وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ)) ليس في (م) ومكانها: ((الحديث)).
[7] قوله: ((وتكذيب مقالة من أنكر ذلك)) زيادة من (م). وبعدها في (م): ((ألا ترى أن النبي)).
[8] في (م): ((لمن)).
[9] في (م): ((ففيه أكرم الأسوة)).
[10] في (م): ((مما قد)).
[11] في (م): ((فالجواب: أن في ذلك إظهارًا)).
[12] في (م): ((للافتقار إلى الله ╡، والإذعان له بالعبوديَّة وتجديدًا لشكر النِّعم، فقد كان ◙ يجري من ذلك إلى أبعد غاية فكان يكثر الاستغفار لربه وقد غفر له ويصلي)).
[13] قوله: ((يا رسول الله)) ليس في (م).
[14] في (م): ((نعمة)).
[15] في (م): ((بالشكر)).
[16] قوله: ((وخشية العباد لله على قدر علمهم به)) ليس في (م) ومكانها: ((وارتضاهم)).
[17] في (م): ((سبيله)).
[18] قوله: ((وفي حديث أبي أيوب.... وجد لذة المعصية)) زيادة من (م).