إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: اللهم ارحم المحلقين

          1727- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ يُوسُفَ) التِّنِّيسيُّ قال: (أَخْبَرَنَا مَالِكٌ) الإمام (عَنْ نَافِعٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ ☻ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ) في حجَّة الوداع، أو في الحديبية، أو في الموضعين جمعًا بين الأحاديث: (اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ، قَالُوا) أي: الصَّحابة، قال الحافظ(1) ابن حجرٍ: ولم أقف في شيءٍ من الطُّرق على الذي تولى(2) السُّؤال في ذلك بعد / البحث الشَّديد. انتهى. وفي رواية ابن سعدٍ في «الطَّبقات» في «غزوة الحديبية» كما سيأتي _إن شاء الله تعالى_ قريبًا: أنَّ عثمان وأبا قتادة هما اللذان قصَّرا ولم يحلقا في عام الحديبية، قال شيخ الإسلام الجلال بن البلقينيِّ: فيحتمل أن يكونا هما اللذان قالا: (وَالمُقَصِّرِينَ) أي: قل: وارحم المقصِّرين (يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ) صلعم : (اللَّهُمَّ ارْحَمِ المُحَلِّقِينَ، قَالُوا): قل: (وَ) ارحم (المُقَصِّرِينَ يَا رَسُولَ اللهِ، قَالَ: وَ) ارحم(3) (المُقَصِّرِينَ) بالنَّصب(4)، فالعطف(5) على محذوفٍ، ومثله يُسمَّى بالعطف التَّلقينيِّ كقوله تعالى: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي}[البقرة:124] قال الزَّمخشريُّ في «كشَّافه»: {وَمِن ذُرِّيَّتِي} عُطِفَ على الكاف، كأنَّه قال: وجاعلٌ بعض ذرِّيَّتي كما يُقال: سأكرمك، فتقول: وزيدًا. انتهى. وتعقَّبه أبو حيَّان فقال: لا يصحُّ العطف على الكاف لأنَّها مجرورةٌ، فالعطف عليها لا يكون إلَّا بإعادة الجارِّ، ولم يُعِدْ، ولأنَّ «مِن» لا يمكن تقدير الجارِّ مضافًا إليها لأنَّها حرفٌ، فتقديرها بأنَّها مرادفةٌ لـ «بعض» حتَّى يقدِّر «جاعل» مضافًا إليها لا يصحُّ، ولا يصحُّ أن يكون تقدير العطف من باب العطف على موضع الكاف لأنَّه نُصِب، فيُجعَل(6) «مِن»(7) في موضع نصبٍ لأنَّ هذا ليس ممَّا يُعطَف فيه على الموضع على _مذهب سيبويه_ لفوات المجوِّز، وليس نظير: سأكرمك، فتقول: وزيدًا؛ لأنَّ الكاف هنا في موضع نصبٍ، والذي يقتضيه‼ المعنى أن يكون {وَمِن ذُرِّيَّتِي} متعلِّقًا بمحذوفٍ، التَّقدير: واجعل من ذرِّيَّتي إمامًا لأنَّ إبراهيم فَهِمَ من قوله: {إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} الاختصاص، فسأل الله أن يجعل من ذرِّيَّته إمامًا. انتهى.
          (وَقَالَ اللَّيْثُ) بن سعدٍ الإمام: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (نَافِعٌ) مولى ابن عمر ممَّا وصله مسلمٌ: (رَحِمَ اللهُ المُحَلِّقِينَ _مَرَّةً أَوْ مَرَّتَيْنِ_) شكَّ اللَّيث؛ إذ الأكثرون على وفاق ما رواه مالكٌ، لأنَّ في معظم الرِّوايات عنه إعادة الدُّعاء للمحلِّقين مرَّتين، وعطف «المقصِّرين» عليه في الثَّالثة، وانفرد يحيى ابن بُكَيرٍ دون رواة «المُوطَّأ» بإعادة ذلك ثلاثًا كما نبَّه عليه أبو عمر في «التَّقصِّي» ولم ينبِّه عليه في «التَّمهيد» (قَالَ: وَقَالَ عُبَيْدُ اللهِ) بضمِّ العين مُصغَّرًا، وهو العمريُّ ممَّا(8) وصله مسلمٌ: (حَدَّثَنِي) بالإفراد (نَافِعٌ: قَالَ) ولغير أبي الوقت: ”وقال“ (فِي الرَّابِعَةِ: وَالمُقَصِّرِينَ) أي: وارحم المقصِّرين.


[1] «الحافظ»: ليس في (ب) و(د).
[2] في غير (ص) و(م): «الذين تولَّوا».
[3] «ارحم»: ليس في (د).
[4] «بالنَّصب»: ليس في (ص) و(م).
[5] في (ص) و(م): «بالعطف».
[6] في (ص): «فتُجعَل».
[7] «من»: ليس في (ب).
[8] في (ص): «فيما».