إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب قول الله تعالى: {وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا البلد آمنًا}

          ░46▒ (بابُ قَولِ الله تَعَالَى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـذَا الْبَلَدَ}) مكَّة ({آمِنًا}) ذا أمنٍ لمن فيها ({وَاجْنُبْنِي}) بعِّدني ({وَبَنِيَّ أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ. رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ}) فلذلك سألت منك العصمة واستعذت بك من إضلالهنَّ، وأسند‼ الإضلال إليهنَّ باعتبار السَّبب ({فَمَن تَبِعَنِي}) على ديني ({فَإِنَّهُ مِنِّي}) بعضي ({وَمَنْ عَصَانِي}) لم يطعني ولم يوحِّدك ({فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}) تقدر أن تغفر له وترحمه ولا يجب عليك شيءٌ، وقِيلَ معناه: ومن عصاني فيما دون الشِّرك، أو أنَّك غفورٌ بعد الإنابة ({رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي}) بعضها؛ إسماعيل ({بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ}) يعني: مكَّة ({عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ}) الذي في علمك أنَّه يحدث في ذلك الوادي ({رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ الصَّلاَةَ}) أي: أسكنتهم كي يقيموا(1) الصَّلاة عند بيتك ({فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ}) أي: قلوبًا، و«من» للتَّبعيض ({تَهْوِي}) تسرع ({إِلَيْهِمْ}[إبراهيم:35-37]) شوقًا وودًّا، وعن بعض السَّلف: لو قال: أفئدة النَّاس لازدحم عليه فارسٌ والرُّوم والنَّاس كلُّهم، لكنَّه قال: {مِّنَ النَّاسِ} فاختصَّ به المسلمون، وقال: {إِلَيْهِمْ} لأنَّه أُوحِي إليه أنَّه ستكثر ذرِّيَّته(2) بها، وقال: {تَهْوِي} لأنَّ تهامة غورٌ منخفضةٌ، وذكر القلوب لأنَّ الأجساد تبعٌ لها (الآيَةَ) بالنَّصب؛ بتقدير: أعني أو أقرأ، وسقط في رواية ابن عساكر من قوله: «{رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ}»، ولفظ رواية أبي ذرٍّ: ”{أَن نَّعْبُدَ الأَصْنَامَ} إلى قوله: {لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}“ أي: نعمتك، ولم يذكر المصنِّف في هذا الباب حديثًا لأنَّه لم يجد حديثًا(3) على شرطه.


[1] في (د): «أسكنتهم ليقيموا».
[2] في (د): «ذرِّيَّتك».
[3] في (د): «شيئًا».