إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب كسوة الكعبة

          ░48▒ (بابُ) بيان حكم التَّصرُّف في (كِسْوَةِ الكَعْبَةِ) وقد(1) قِيلَ: أوَّل من كساها تُبَّعٌ الحِمْيريُّ الخَصَف(2) والمَعَافر(3) والملاء والوَصَائل، وذكر ابن قتيبة أنَّه كان قبل الإسلام بتسع مئة سنةٍ، وفي «تاريخ» ابن أبي شيبة: أوَّل من كساها عدنان بن أُدَد، وزعم الزُّبير أنَّ أوَّل من كساها الدِّيباجَ عبدُ الله بن الزُّبير، وعند ابن إسحاق عن ليث بن أبي سُلَيمٍ(4): كانت كسوة الكعبة على عهد رسول الله صلعم الأَنطاع والمُسُوح، وروى الواقديُّ عن إبراهيم بن أبي ربيعة قال: كُسِيَ البيتُ في الجاهليَّة الأنطاع، ثمَّ كساه النَّبيُّ صلعم الثِّياب اليمانيَّة، ثمَّ كساه عمر بن الخطَّاب وعثمان بن عفَّان القَبَاطيَّ، ثمَّ كساه الحجَّاج الدِّيباج، وروى أبو عَروبة في «الأوائل» له عن الحسن قال: أوَّل من ألبس الكعبة القَبَاطيَّ النَّبيُّ صلعم ، وذكر الأزرقيُّ فيمن / كساها: أبا بكرٍ الصِّدِّيق ☺ ، ولم يذكر عليَّ بن أبي طالبٍ، ولعلَّه اشتغل عن ذلك بما كان بصدده من الحروب في تمهيد أمر الدِّين مع الخوارج، وكساها معاوية الدِّيباج والقباطيَّ والحَـِبرَات، فكانت تُكسَى الدِّيباج يوم عاشوراء، والقباطيَّ في آخر رمضان، وكساها يزيد بن معاوية الدِّيباج الخُسْروانيَّ، وكساها المأمون الدِّيباج الأحمر يوم التَّروية، والقباطيَّ يوم هلال رجبٍ، والدِّيباج الأبيض يوم سبعٍ وعشرين من رمضان للفطر، وهكذا كانت تُكسَى في زمن المتوكِّل العباسيِّ، ولمَّا كان زمن النَّاصر العباسيِّ كُسِيت السَّواد من الحرير، فهي تُكسَى ذلك من ذلك الزَّمان وإلى الآن إلَّا أنَّه في سنة ثلاثٍ وأربعين وستِّ مئةٍ قُطِعت من ريحٍ شديدٍ، فكُسِيت ثيابًا من القطن سودًا، وقد ذكر بعضهم حكمةً حسنةً في سواد كسوة الكعبة، فقال: كأنَّه يشير إلى أنَّه فقد أناسًا كانوا حوله‼، فلبس السَّواد حزنًا عليهم، ولم تزل الملوك تتداول كسوتها إلى أن وقف عليها الصَّالح إسماعيل بن النَّاصر محمَّد بن قلاوون في سنة نيِّفٍ وخمسين وسبع مئةٍ قريةً تُسمَّى بيسوس بضواحي(5) القاهرة في طرف القليوبيَّة ممَّا يلي القاهرة، وأوَّل من كساها من ملوك التُّرك بعد انقضاء الخلافة من بغداد الظَّاهر بيبرس الصَّالحيُّ صاحب مصر.


[1] «قد»: ليس في (د).
[2] في (ص): «الخصب».
[3] في (م): «المغاض»، وهو تحريفٌ.
[4] في غير (ص): «ليث بن سليمٍ»، وفي (ص): «ليث بن سليمان»، والمثبت موافقٌ لما في «الفتح» (3/536).
[5] في (د): «بنواحي»، ولعلَّه تحريفٌ.