إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ركوب البدن

          ░103▒ (بابُ) جواز (رُكُوبِ البُدْنِ) بضمِّ المُوحَّدة وسكون الدَّال وهي الإبل أو البقر، وعن عطاءٍ _فيما رواه ابن أبي شيبة في «مُصنَّفه»_: البدنة: البعير والبقرة، وعن مجاهدٍ: لا تكون البدن(1) إلَّا من الإبل، وعن(2) بعضهم: البدنة: ما يُهدى من(3) الإبل والبقر والغنم، وهو غريبٌ (لِقَولِهِ) تعالى: ({وَالْبُدْنَ}) نُصِبَ بفعلٍ يفسِّره قوله: ({جَعَلْنَاهَا لَكُم مِّن شَعَائِرِ اللهِ}) من أعلام دينه التي شرعها راتبةً ({لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ}) منافع دينيَّةٌ ودنيويَّةٌ؛ من الرُّكوب والحلب كما روى ابن أبي حاتمٍ وغيره بإسنادٍ جيِّدٍ عن إبراهيم النَّخعيِّ: لكم فيها خير؛ من شاء ركب، ومن شاء حلب ({فَاذْكُرُوا اسْمَ اللهِ عَلَيْهَا}) عند نحرها بأن تقولوا: الله أكبر لا إله إلَّا الله والله أكبر، اللَّهمَّ منك وإليك؛ كذا رُوِي عن ابن عبَّاسٍ ({صَوَافَّ}) قائماتٍ على ثلاثة قوائم، معقولةٌ يدها اليسرى أو رجلها اليسرى(4) ({فَإِذَا وَجَبَتْ}) سقطت ({جُنُوبُهَا}) على الأرض، أي: ماتت ({فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ})‼ السَّائل، من قنع إذا سأل، أو فقيرًا لا يسأل من القناعة ({وَالْمُعْتَرَّ}) الذي لا يتعرَّض للمسألة، أو هو السَّائل ({كَذَلِكَ}) مثل ما وصفنا من نحرها قيامًا ({سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ}) مع عظمها وقوَّتها حتَّى تأخذوها منقادةً، فتعقلوها وتحبسوها(5) / صافَّةً قوائمها، ثمَّ تطعنوا في لبَّاتها(6) ({لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}) إنعامنا عليكم بالتَّقرُّب والإخلاص ({لَن يَنَالَ اللهَ}) لن يصيب رضاه ولن يقع منه موقع القبول ({لُحُومُهَا}) المُتصدَّق بها ({وَلَا دِمَاؤُهَا}) المهراقة بالنَّحر من حيث إنَّها لحومٌ ودماءٌ ({وَلَكِن يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُمْ}) ولكن يصيبه ما يصحبه(7) من تقوى قلوبكم من النِّيَّة والإخلاص، فإنَّها هي المُتقبَّل(8) منكم ({كَذَلِكَ سَخَّرَهَا لَكُمْ}) كرَّرها تذكيرًا لنعمة التَّسخير وتعليلًا له بقوله: ({لِتُكَبِّرُوا اللهَ}) أي: لتعرفوا عظمته باقتداره على ما لا يقدر غيره عليه، فتوحِّدوه بالكبرياء ({عَلَى مَا هَدَاكُمْ}) إلى كيفيَّة التَّقرُّب إليه تعالى بها، ولتضمُّن «تكبِّروا» معنى «تشكروا» عدَّاه بـ «على» ({وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}[الحج:36-37]) الذين أحسنوا أعمالهم، وسياق الآيتين بتمامهما رواية كريمة، وأمَّا رواية أبوي ذرٍّ والوقت؛ فالمذكور منهما قوله: ”{وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُم} إلى قوله: {وَجَبَتْ جُنُوبُهَا}“ ، ثمَّ المذكور بعد ”{جُنُوبُهَا}“ إلى قوله: ”{وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ}“ .
          (قَالَ مُجَاهِدٌ: سُمِّيَتِ البُدْنَ لِبُدْنِهَا) بضمِّ المُوحَّدة وسكون المهملة، وللحَمُّويي والمُستملي: ”لبَدَنها“ بفتح المُوحَّدة والمهملة، وللكُشْمِيْهَنِيِّ: ”لبَدَانَتها“ بفتح المُوحَّدة والمهملة والنُّون وألفٌ قبلها ومُثنَّاةٌ فوقيَّةٌ بعدها، أي: لسمنها، وأخرج عبد بن حُمَيٍد من طريق ابن أبي نَجيحٍ عن مجاهدٍ قال: إنَّما سُمِّيت البدن من قِبَل السَّمانة (وَالقَانِعُ: السَّائِلُ) من قنع إذا سأل (وَالمُعْتَرُّ: الَّذِي يَعْتَرُّ) أي(9): يطيف (بِالبُدْنِ) يتعرَّض لها(10) (مِنْ غَنِيٍّ أَوْ فَقِيرٍ) قال مجاهدٌ _فيما أخرجه عبد بن حُمَيدٍ_: القانع: جارك الذي ينتظر ما دخل بيتك، والمُعتَرُّ: الذي يعترُّ ببابك ويريك نفسه ولا يسألك شيئًا، وروى عنه ابن أبي حاتمٍ: القانع: الطَّامع، وقال مرَّة: هو السَّائل (وَشَعَائِرُ الله)(11) المذكورة(12) في الآية: (اسْتِعْظَامُ البُدْنِ وَاسْتِحْسَانُهَا) عن مجاهدٍ، فيما أخرجه عبد بن حُمَيدٍ أيضًا في قوله تعالى: {وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ}[الحج:32] فإنَّ استعظامَ البُدن استحسانُها واستسمانها (وَالعَتِيقُ) المذكور في قوله تعالى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:29] (عِتْقُهُ مِنَ الجَبَابِرَةِ) قال مجاهدٌ: كما رواه عبد بن حُمَيدٍ أيضًا إنَّما سُمِّي، أي: البيت العتيق لأنَّه عُتِق من الجبابرة (وَيُقَالُ: وَجَبَتْ) أي: (سَقَطَتْ إِلَى الأَرْضِ) هو قول ابن عبَّاسٍ _فيما أخرجه ابن أبي حاتمٍ_ والمراد به تفسير قوله: {فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا} وسقطت «الواو» من قوله(13): «ويُقال» (وَمِنْهُ: وَجَبَتِ الشَّمْسُ) إذا سقطت للغروب.


[1] «البدن»: ليس في (د).
[2] في (د): «وعند».
[3] «البدنة: ما يُهدى من»: سقط من (د).
[4] «اليسرى»: ليس في (د).
[5] في غير (ب) و(س): «فتعقلونها وتحبسونها».
[6] في (د): «تطعنون في لبَّتها».
[7] في (د): «يصيبه».
[8] في (ب) و(س): «المُتقبَّلة».
[9] «أي»: ليس في (ص) و(م) و(ج).
[10] «يتعرَّض لها»: مثبتٌ من (م).
[11] «الله»: اسم الجلالة مثبتٌ من (ب) و(س).
[12] في غير (ب) و(س): «المذكور».
[13] «من قوله»: مثبتٌ من (ص).