إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

باب ما جاء في زمزم

          ░76▒ (بابُ مَا جَاءَ فِي زَمْزَمَ) بفتح الزَّايين(1) وسكون الميم الأولى، وسُمِّيت بذلك لكثرة مائها، والماء الزَّمزم: هو الكثير، وقِيل: لِزَمِّ هاجرَ ماءَها حين انفجرت، وقِيل: لزمزمة جبريل وكلامه، وتُسمَّى: الشَّبَّاعة، وبركة، ونافعة، ومضنونة، وبَرَّة، وميمونة، وكافية، وعافية، ومغذِّية، ومروية، وطعام طُعْمٍ، وشفاء سُقْمٍ، وأوَّل من أظهرها جبريل سقيًا لإسماعيل ♂ عندما ظمئ، وحفرها الخليل ╕ بعد جبريل فيما ذكره(2) الفاكهيُّ، ثمَّ غُيِّبت بعد ذلك لاندراس موضعها لاستخفاف جرهم بحرمة الحرم والكعبة، أو لدفنهم لها عندما نُفُوا من مكَّة، ثمَّ منحها الله تعالى عبد المطَّلب فحفرها بعد أن أُعلِمت له في المنام بعلاماتٍ استبان له بها موضعها، ولم تَزَلْ ظاهرةً إلى الآن، ولها فضائل وردت في أحاديث لم يذكر المؤلِّف شيئًا منها لكونها لم تكن على شرطه صريحًا، وفي «مسلمٍ» من حديث أبي ذرٍّ: «ماء زمزم طعامُ طُعْمٍ» وزاد الطَّيالسيُّ: «وشفاء سقمٍ»، وفي «المستدرك» من حديث ابن عبَّاسٍ مرفوعًا: «ماء زمزم(3) لما شُرِب له» وصحَّحه البيهقيُّ في «الشُّعب»، وصحَّحه ابن عُيَيْنَةَ فيما نقله ابن الجوزيِّ في «الأذكياء»، وكذا صحَّحه ابن حبَّان، ووثَّق رجاله الحافظ الدِّمياطيُّ إلَّا أنَّه اختُلِف في وصله وإرساله، قال في «الفتح»: وإرساله أصحُّ، وله شاهدٌ من حديث جابرٍ وهو أتمُّ منه، أخرجه البيهقيُّ(4) وابن ماجه ورجاله ثقاتٌ إلَّا عبد الله بن المُؤمَّل المكِّي، فذكر العقيليُّ أنَّه تفرَّد به، لكن ورد من رواية غيره عند البيهقيِّ من طريق إبراهيم بن طهمان، ومن طريق حمزة الزَّيَّات(5)، وبالجملة فقد ثبتت صحَّة هذا الحديث إلَّا ما قِيل: إنَّ الجارود تفرَّد عن ابن عيينة بوصله، ومثله لا يُحتَجُّ به إذا انفرد فكيف إذا خالف، وهو من رواية الحميديِّ وابن أبي عمرٍ وغيرهما ممَّن لازم ابن عيينة أكثر من الجارود فيكون‼ أَولى، لكنَّ الذي يحتاج إليه الحكم بصحَّة المتن عن النَّبيِّ صلعم ، ولا علينا كونه من خصوص طريقٍ بعينها، وهنا أمورٌ تدلُّ عليه؛ منها: أنَّ مثله لا مجال للرَّأي فيه فوجب كونه سماعًا، وكذا إن قلنا: العبرة في تعارض الوصل والوقف والإرسال للواصل، بعد كونه ثقةً لا الأحفظ ولا غيره، مع أنَّه قد صحَّ تصحيح نفس ابن عيينة له _كما مرَّ_ وروى الدَّارقطنيُّ والبيهقيُّ مرفوعًا: «آية(6) ما بيننا وبين المنافقين أنَّهم لا يتضلَّعون من زمزم»، وقد شربه جماعةٌ من السَّلف والخلف لمآرب فنالوها، وأَولى ما يُشرَب لتحقيق التَّوحيد / والموت عليه والعزَّة بطاعة الله.


[1] في (د): «الزَّاي».
[2] في (د): «ذكر».
[3] «ماء زمزم»: ليس في (ص) و(م).
[4] في غير (د): «الشَّافعيُّ»، والمثبت من «السُّنن الكبرى» (9442).
[5] «ومن طريق حمزة الزَّيَّات»: سقط من (ص) و(م).
[6] في (م): «أنَّه»، وهو تصحيفٌ.