إرشاد الساري لشرح صحيح البخاري

حديث: ألم تري أن قومك لما بنوا الكعبة اقتصروا عن قواعد إبراهيم

          1583- وبه قال: (حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْلَمَةَ) القعنبيُّ (عَنْ مَالِكٍ) الإمام (عَنِ ابْنِ شِهَابٍ) الزُّهريِّ (عَنْ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ) بن عمر (أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ) الصِّدِّيق (أَخْبَرَ) أباه (عَبْدَ اللهِ بْنَ عُمَرَ) بن الخطَّاب بنصب «عبدَ الله» على المفعوليَّة، والفاعل مُضمَرٌ (عَنْ عَائِشَةَ) متعلِّقٌ(1) بـ «أخبر» ( ♥ (2) زَوْجِ النَّبِيِّ صلعم : أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلعم قَالَ لَهَا: أَلَمْ تَرَيْ) مجزومٌ بحذف النُّون، أي: ألم تعرفي (أَنَّ قَوْمَكِ) قريشًا (لَمَّا) ولأبوي ذَرٍّ والوقت: ”حين“ (بَنَوُا الكَعْبَةَ اقْتَصَرُوا عَن قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَلَا تَرُدُّهَا عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ؟) جمع قاعدةٍ؛ وهي الأساس (قَالَ) ╕ : (لَوْلَا حِدْثَانُ قَوْمِكِ) قريشٍ؛ بكسر الحاء وسكون الدَّال المهملتين وفتح المُثلَّثة مبتدأٌ خبره محذوفٌ وجوبًا، أي: موجودٌ؛ يعني: قرب عهدهم (بِالكُفْرِ لَفَعَلْتُ) أي: لرددتها على قواعد إبراهيم، وفيه دليلٌ على ارتكاب أيسر الضَّررين دفعًا لأكبرهما لأنَّ قصور البيت أيسر من افتتان طائفةٍ(3) من المسلمين، ورجوعهم عن دينهم (فَقَالَ عَبْدُ اللهِ) بن عمر ( ☺ ) وعن أبيه بالإسناد المذكور: (لَئِنْ كَانَتْ عَائِشَةُ ♦ سَمِعَتْ هَذَا مِنْ رَسُولِ اللهِ(4) صلعم ) ليس شكًّا في قولها ولا تضعيفًا لحديثها فإنَّها الحافظة المتقنة؛ لكنَّه(5) جرى على ما يعتاد في كلام العرب من التَّرديد للتَّقرير واليقين كقوله تعالى: {وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَّكُمْ}[الأنبياء:111] (مَا أُرَى) بضمِّ الهمزة: ما أظنُّ (رَسُولَ اللهِ صلعم ‼ تَرَكَ اسْتِلَامَ الرُّكْنَيْنِ اللَّذَيْنِ يَلِيَانِ الحِجْرَ) بسكون الجيم، أي: يقربان منه، وزاد معمرٌ: «ولا طاف النَّاس من وراء الحجر» (إِلَّا أَنَّ البَيْتَ) الكعبة (لَمْ يُتَمَّمْ) ما نقص منه، وهو الرُّكن الذي كان في الأصل (عَلَى قَوَاعِدِ إِبْرَاهِيمَ) ◙ ، فالموجود الآن في جهة الحجر بعض الجدار الذي بنته قريشٌ، فلذلك لم يستلمهما النَّبيُّ صلعم ، فلو استلمهما أو غيرهما من البيت أو قبَّل ذلك لم يُكرَه ولا هو خلاف الأَولى، بل هو حسنٌ لما(6) في «الاستقصاء» عن الشَّافعيِّ أنَّه قال: وأيَّ البيتِ قَبَّلَ فَحَسَنٌ، غير أنَّا نأمر بالاتِّباع. انتهى. قال أبو عبد الله الأُبِّيُّ: وهذا الذي قاله ابن عمر من فقهه، ومن تعليل العدم بالعدم علَّل عدم الاستلام بعدم أنَّهما من البيت.
          وهذا الحديث أخرجه المؤلِّف أيضًا في «أحاديث الأنبياء» [خ¦3368] وفي «التَّفسير» [خ¦4484]، و«مسلمٌ» في «الحجِّ»، والنَّسائيُّ فيه وفي «العلم»(7) وفي «التَّفسير».


[1] في (ص) و(م): «يتعلَّق».
[2] في غير (ص) و(م): «عنها»، والمثبت موافقٌ لما في «اليونينيَّة».
[3] في (ص): «طائفتين».
[4] في (د) و(س): «من النَّبيِّ».
[5] في (د): «لكن».
[6] زيد في (م): «مرَّ».
[7] «وفي العلم»: ليس في (د).