شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التخفيف في الوضوء

          ░5▒ باب التَّخْفِيفِ في الْوُضُوءِ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ: (بِتُّ عِنْدَ خَالَتِي مَيْمُونَةَ لَيْلَةً، فَقَامَ النبيُّ صلعم مِنَ اللَّيْلِ، فَلَمَّا كَانَ في بَعْضِ اللَّيْلِ(1) قَامَ رسول الله صلعم، فَتَوَضَّأَ مِنْ شَنٍّ مُعَلَّقٍ وُضُوءًا(2) خَفِيفًا _يُخَفِّفُهُ عَمْرٌو وَيُقَلِّلُهُ_ وَقَامَ يُصَلِّي(3)، فَتَوَضَّأْتُ نَحْوًا مِمَّا تَوَضَّأَ ثُمَّ جِئْتُ فَقُمْتُ(4) عَنْ(5) يَسَارِهِ _وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ شِمَالِهِ(6)_ فَحَوَّلَنِي فَجَعَلَنِي(7) عَنْ يَمِينِهِ، ثُمَّ صَلَّى مَا شَاءَ اللهُ ثُمَّ اضْطَجَعَ فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثُمَّ أَتَاهُ الْمُنَادِي فَآذَنَهُ بِالصَّلاةِ، فَقَامَ مَعَهُ إلى الصَّلاةِ(8) فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ). [خ¦138]
          قُلْنَا لِعَمْرٍو: إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ(9) تَنَامُ عَيْنُهُ وَلا يَنَامُ قَلْبُهُ، قَالَ عَمْرٌو: سَمِعْتُ عُبَيْدَ بْنَ عُمَيْرٍ يَقُولُ: رُؤْيَا الأنْبِيَاءِ وَحْيٌ، ثُمَّ قَرَأَ: {إِنِّي أَرَى في الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ}[الصافات:102].
          قال المُهَلَّب: قوله (وُضُوءًا خَفِيفًا) يريد تمام غسل الأعضاء دون التكثير من إمرار اليد عليها، وهو مرة سابغة، وهو أدنى ما تجزئ به الصلاة، وإنما خففه المحدِّث لعلمه بأن رسول الله صلعم كان يتوضأ ثلاثًا ثلاثًا للفضلِ والواحدةُ بالإضافة إلى الثلاث تخفيف، وقد ذكر البخاري هذا الحديث في كتاب التفسير وبيَّنه فقال: ((فقام إلى شن معلقة فتوضأ منها فأحسن وضوءه)) وذكره في كتاب الدعاء وقال: ((فتوضأ وضوءًا بين وضوءين لم يكثر وقد أبلغ)) فهذا كله يفسر قوله: (وُضُوءًا خَفِيفًا) أنه وضوء تجوز به الصلاة(10).
          وقوله: (فَنَامَ حَتَّى نَفَخَ، ثمَّ صَلَّى) هو مما(11) خُصَّ به النبي صلعم(12) من أنه تنام(13) عينه ولا ينام قلبه، وفيه دليل على أن من نام من سائر البشر حتى نفخ لا يصلي حتى يتوضأ، والنوم إنما يوجب الوضوء إذا خامر القلب وغلب عليه، ورسول الله صلعم لا ينام قلبه فلذلك لم يتوضأ، وفيه أنه توضأ بعد نوم نامه ثم نام نومًا آخر / ولم يتوضأ، فدل ذلك على اختلاف أحواله في النوم، فمرة يستثقل نومًا ولا يعلم حاله ومرةً يعلم حاله من حدث أو غيره، وفيه جواز العمل الخفيف في الصلاة، وفيه ردٌّ على أبي حنيفة في قوله: إن الإمام إذا صلى مع رجل واحد إنه يقوم خلفه لا عن يمينه، وهذا مخالف لفعل النبي صلعم.


[1] في (م): ((فلما كان من الليل)).
[2] في (م): ((قام رسول الله صلعم إلى شنٍّ معلقة فتوضأ وضوءًا)).
[3] قوله ((وقام يصلي)) ليس في (م).
[4] في (م): ((مما توضأ ثم قمت)).
[5] في (ص): ((على)).
[6] قوله ((وَرُبَّمَا قَالَ سُفْيَانُ: عَنْ شِمَالِهِ)) ليس في (م).
[7] قوله ((فجعلني)) ليس في (م).
[8] قوله ((فقام معه إلى الصلاة)) ليس في (م).
[9] زاد في (م): ((صلعم)).
[10] في (م): ((تجوز الصلاة به)).
[11] في (م): ((ما)).
[12] في (ص): ((به ◙)).
[13] في (م): ((ينام)).