شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب لا تقبل صلاة بغير طهور

          ░2▒ باب لا تُقْبَلُ(1) صَلاةٌ بِغَيْرِ طُهُورٍ.
          فيه: أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (لا تُقْبَلُ صَلاةُ مَنْ أَحْدَثَ حَتَّى يَتَوَضَّأَ) قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ(2): مَا الْحَدَثُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ؟ قَالَ: فُسَاءٌ أَوْ ضُرَاطٌ. [خ¦135]
          أجمعت الأمة على أنه لا تجزئ صلاة إلا بطهارة(3) على ما جاء في الحديث، وأما قول أبي هريرة: الحدث فُساءٌ أو ضُرَاطٌ فإنما اقتصر على بعض الأحداث لأنه أجاب سائلًا سأله عن المصلي يحدث في صلاته، فخرج جوابه على ما يسبق المصلي من الإحداث في صلاته لأن البول والغائط والملامسة غير معهودة في الصلاة، وهو نحو قوله ◙(4) للمصلي إذْ أمره باستصحاب اليقين في(5) طهارته أي لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا، ولم يقصد به(6) إلى تعيين الأحداث وتعدادها. والأحداث التي أجمع العلماء على أنها تنقض الوضوء سوى ما ذكره(7) أبو هريرة: البول والغائط والمذي والودي والمباشرة وزوال العقل بأي حال زال والنوم الكثير، والأحداث التي اختُلف في وجوب الوضوء منها: القُبْلَة والجَسَّة ومس الذكر والرعاف ودم الفصد وما يخرج من السبيلين نادرًا غير معتاد مثل سلس البول والمذي ودم الاستحاضة والدود يخرج من الدبر وليس عليه أذى، فممن أوجب الوضوء في القُبلة ابن عمر وهو قول مكحول وربيعة والأوزاعي والشافعي، وذهب مالك إلى أنه إن قبلها بالشهوة(8) انتقض وضوؤه وهو قول الثوري وأحمد وإسحاق، وشرط أبو حنيفة وأبو يوسف في القبلة للشهوة الانتشار وكذلك ينتقض عنده(9) الوضوء، فإن قَبَّل لشهوة ولم ينتشر فلا وضوء عليه، وقال محمد بن الحسن: لا وضوء عليه في القبلة وإن انتشر حتى يمذي، وقال ابن عباس وعطاء وطاوس والحسن: لا وضوء عليه(10) في القبلة؛ فأمَّا مَسُّ المرأة فقال مالك والثوري: إن مسَّها لشهوة انتقض وضوؤه، وقال أبو حنيفة وأبو يوسف: لا بد مع الشهوة من الانتشار وإلا فلا وضوء، وقال محمد بن الحسن: لابد أن يمذي مع الانتشار، وقال الشافعي: ينتقض وضوءه بكل حال وبمسها بكل عضوٍ من أعضائه إذا كان بغير حائل؛ وأما مس الذكر فقال مالك في المدونة: إذا مسه لشهوة من فوق ثوب أو تحته بيده أو بسائر أعضائه انتقض وضوؤه، وفي «الغنية»(11) قيل لمالك(12): إن مس ذكره على غِلالة خفيفة؟ قال: لا وضوء عليه، ومن سماع أبي زيد: سئل مالك عن الوضوء من مسِّ الذكر فقال: حسن وليس بسنة، وقال مرة أخرى: أَحَبُّ إليَّ أن يتوضأ، وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنه لا ينتقض وضوؤه(13) على أي حال مسَّه، وذهب الليث والأوزاعي(14) والشافعي إلى أنه إن مسه بباطن يده من غير حائل ففيه الوضوء وإن مسه لغير شهوة، وبه قال إسحاق وأبو ثور، وأما(15) الأحداث المختلف فيها فسيأتي مذاهب العلماء فيها في مواضعها إن شاء الله تعالى(16).


[1] في (ص): ((يقبل)).
[2] قوله ((قَالَ رَجُلٌ مِنْ حَضْرَمَوْتَ)) ليس في (م) وذَكَر بدلَها: ((قيل)).
[3] في (م): ((على أن الصلاة لا تجزئ إلا بطهارة)).
[4] قوله: ((◙)) ليس في (ص).
[5] في (م): ((من)).
[6] في (م): ((بهذا)).
[7] في (م): ((ذكر)).
[8] في (م) و (ص): ((لشهوة)).
[9] في (م): ((عندهما)).
[10] قوله ((عليه)) ليس في (م).
[11] في (ص) والمطبوع: ((العتبية)).
[12] في (ص): ((قال مالك)).
[13] في (م): ((الوضوء)).
[14] في (م): ((وذهب الأوزاعي والليث)).
[15] زاد في (م): ((سائر)).
[16] قوله: ((تعالى)) ليس في (ص).