شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما جاء في غسل البول

          ░56▒ بَابُ: مَا جَاءَ في غَسْلِ البَوْلِ.
          وقَالَ(1) النَّبيَّ صلعم لِصَاحِب القَبْرِ: (كَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَوْلِهِ)، وَلَمْ يَذْكُرْ سِوَى(2) بَوْلِ النَّاسِ.
          وفيهِ: أَنَسٌ: (كَانَ النَّبيُّ صلعم(3) إِذَا تَبَرَّزَ أَتَيْتُهُ بِمَاءٍ فَيَغْتسِلُ(4) بِهِ). [خ¦217]
          وفيهِ: ابنُ عَبَّاسٍ: (أنَّ النبي صلعم مَرَّ بِقَبْرَيْنِ، فَقَالَ: إِنَّهُمَا لَيُعَذَّبَانِ، وَمَا يُعَذَّبَانِ في كَبِيرٍ، أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ الْبَوْلِ، وَأَمَّا الآخَرُ فَكَانَ يَمْشِي بِالنَّمِيمَةِ) الحديث.
          أجمع الفقهاء على نجاسة البول، والتَّنَزُّه عنه. [خ¦218]
          وقوله: (كَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنْ بَولِهِ) يعني أنَّه كان لا يستر جسدَه ولا ثيابه مِن مماسَّة البول، فلمَّا عُذِّبَ على استخفافه لغسله(5) والتَّحَرُّز منه دلَّ أنَّه مَن(6) ترك البول في مخرجه، ولم يغسله أنَّه حقيق بالعذاب(7)، وقد روى غير البخاري في(8) مَكان (يَسْتَتِرُ مِن بَولِه): ((يَسْتَبْرِئُ مِنْ بَولِهِ))، معنى لا يستبرئ(9): لا يستفرغ البول جهده بعد فراغه منه، فيخرج منه بعد وضوئه فيُصَلِّي غير متطهِّرٍ، ذكر عبدُ الرَّزَّاقِ هذا الحديث وقال فيه: ((أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لَا يَتَنَزَّهُ عَنِ(10) البَوْلِ))، ورواه أيضًا: ((أَمَّا هَذَا كَانَ لَا يَتَأَذَّى بِبَوْلِهِ)). هذه(11) الرِّوايات كلُّها معناها متقاربٌ، واختلف الفقهاء في إزالة النَّجاسة(12) من الأبدان والثِّياب، فقال مالكٌ: إزالتها ليستْ(13) بفرضٍ. وقال بعض أصحابه: إزالتها فرضٌ، وهو قول أبي حنيفةَ والشَّافعيِّ، إلَّا أنَّ أبا حنيفةَ يعتبر في النَّجاسات ما زاد على قدر(14) الدِّرهم. وحجَّة من أوجب إزالة النَّجاسة: أنَّه أخبر صلعم عن صاحب القبر: أنَّه يعذَّب بسبب البول، وذلك وعيدٌ(15) وتحذيرٌ، فثبت أنَّ الإزالة(16) فرضٌ. واحتَجَّ ابن القَصَّارِ بقول(17) مالكٍ، فقال: يحتمل صاحب القبر الَّذي عُذِّب في البول أنَّه كان يدع البول يسيل عليه، فيُصَلِّي بغير طهرٍ؛ لأنَّ الوضوء لا يَصِحُّ مع وُجُوده، ويحتمل(18) أن يفعله على عَمْدٍ لغير عُذْرٍ؛ لأنَّه(19) قد روى(20) ((لَا يَسْتَبْرِئُ))، و((لَا يَسْتَنْزِهُ(21)))، وعندنا أنَّ من تعمَّد ترك(22) سُنَنِ النَّبيِّ صلعم بغير عُذْرٍ ولا تأويل أنَّه مُتَوَعَّدٌ مأثومٌ، فأمَّا إذا لم يتعمَّد ذلك وتركها مُتَأَوِّلًا أو لعُذْرٍ، فصلاته(23) تامَّةٌ.
          وقول البخاريِّ: ولم يذكر سوى بول النَّاس. فإنَّه أراد أن يبيِّن(24) أنَّ معنى روايته في هذا الباب: (أَمَّا أَحَدُهُمَا فَكَانَ لا يَسْتَتِرُ مِنَ البَوْلِ) أنَّ المراد(25) بول النَّاس لا بول سائر الحيوان؛ لأنَّه قد روى الحديث في هذا(26) الباب قبل هذا وغيره (يَسْتَتِرُ(27) مِن بَوْلِهِ)، فلا تعلُّق في حديث هذا الباب لمن احتَجَّ به في نجاسة بول(28) سائر الحيوان.


[1] في (ص): ((قال)).
[2] صورتها في (ز): ((شيء)).
[3] في (ص): ((كان ◙)).
[4] في (م): ((فيغسل)).
[5] في (م): ((بغسله)).
[6] في (م): ((إن)).
[7] زاد في (م): ((أيضًا)).
[8] قوله: ((في)) ليس في (م).
[9] قوله: ((معنى لا يستبرئ)) ليس في (م).
[10] في (م): ((من)).
[11] في (م): ((وهذه)).
[12] في (ص): ((النجاسات)).
[13] في (م): ((ليس)).
[14] في المطبوع: ((مقدار)).
[15] في (م): ((توعُّدٌ)).
[16] في (م): ((إزالته)).
[17] في (م): ((لقول)).
[18] في المطبوع: ((ومحتمل)). في (ص): ((فيحتمل)).
[19] في (م): ((لأنَّ)).
[20] في (ص) لعلها: ((روي)).
[21] في (م): ((يستتر)).
[22] قوله: ((ترك)) ليس في (ص).
[23] زاد في المطبوع: ((صحيحة)).
[24] في (ص): ((يذكر)).
[25] زاد في (م): ((به)). في (ص): ((من البول والمراد)).
[26] قوله ((هذا)) ليس في (م).
[27] في (ص): ((لا يستتر)).
[28] قوله ((بول)) ليس في (م).