شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب بول الصبيان

          ░59▒ بَابُ: بَوْلِ الصِّبْيَانِ.
          فيهِ: عَائِشَةُ، قَالَتْ: (أُتِيَ رَسُولُ اللهِ صلعم بِصَبِيٍّ فَبَالَ على ثَوْبِهِ، فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ). [خ¦222]
          وفيهِ: أُمُّ قَيْسٍ بِنْت مِحْصَنٍ: (أَنَّهَا أَتَتْ بِابْنٍ لَهَا صَغِيرٍ لَمْ يَأْكُلِ الطَّعَامَ إلى رَسُولِ اللهِ صلعم، فَأَجْلَسَهُ رَسُولُ اللهِ صلعم في حِجْرِهِ، فَبَالَ على ثَوْبِهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَنَضَحَهُ، وَلَمْ يَغْسِلْهُ). [خ¦223]
          قالَ الأَصِيْلِيُّ: انتهى آخر حديث أمِّ قَيْسٍ إلى قوله: (فَنَضَحَهُ)، وقوله: ((فلم يغسله))، من قول ابن شِهَابٍ، وقد رواه مَعْمَرٌ عن ابن شِهَابٍ فقال فيه: ((فنضحه(1))) ولم يزد، وروى ابنُ أبي شَيْبَةَ عن ابنِ عُيَيْنَةَ عن ابنِ شِهَابٍ قال فيه: ((فَدَعَا بماءٍ فَرَشَّهُ))، ولم يزد.
          واختلف العلماء في بول الصَّبيِّ، فقالت طائفةٌ: بوله طاهرٌ قبل أن يأكل الطَّعام، رُوِيَ هذا عن عليِّ بن أبي طالبٍ وأمِّ سَلَمَةَ وَعَطَاءٍ والحَسَنِ والزُّهْرِيِّ، وهو قول الأوزاعيِّ وابن وَهْبٍ صاحب مالكٍ، والشَّافعيِّ وأحمدَ وإِسْحَاَق، والحجَّة لهم قوله(2) في حديث أمَّ قَيْسٍ: (فَنَضَحَهُ، وَلمْ يَغْسِلْه). وفرَّق هؤلاء الفقهاء بين بول الصَّبيِّ والصَّبيَّة، فقالوا: بول الصَّبيَّة نجسٌ وإنْ لم تأكل الطَّعام بخلاف بول الصَّبيِّ، واحتَجُّوا في ذلك بما رواه هِشَامٌ عن قَتَادَةَ، عن أبي حَرْبٍ بن(3) أبي الأسود، عن أبيه، عن عليِّ بن أبي طالبٍ، عن النَّبيِّ صلعم أنَّه قال في الرَّضيع: ((يُغْسَلُ بَوْلُ الجَارِيَةِ، وَيُنْضَحُ بَوْلُ الغُلَامِ))(4) وقالت طائفةٌ أخرى: بول الصَّبيِّ والصَّبيَّة نجسٌ، سواءٌ أكلا الطَّعام أم لا، هذا قول النَّخَعِيِّ، وإليه ذهب مالكٌ والكوفيُّون وأبو ثَوْرٍ. واحتَجَّ لهم الطَّحَاوِيُّ فقال: أراد بالنَّضح في هذا الحديث الغسلَ وصبَّ الماء عليه، وقد تُسَمِّي العرب ذلك نضحًا، ومنه قوله صلعم: ((إِنِّي لَأَعْرِفُ مَدِيْنَةً يُقَاُل لَهَا: عُمَانُ يَنْضَحُ البَحْرُ بِنَاحِيَتِهَا لَوْ جَاءَهُمْ رَسُولِي مَا رَمَوْهُ بِحَجَرٍ)). فلم يعنِ بذلك النَّضح: الرَّش، ولكنَّه أراد يلزق بجانبيها(5). والدَّليل على صِحَّة هذا: أنَّ عَائِشَةَ روت حديث بول الصَّبيِّ عن النَّبيِّ صلعم فقالت(6) فيه: ((فَدَعَا بِمَاءٍ فَأَتْبَعَهُ إِيَّاهُ))، ولم تقل: ولم(7) يغسله، رواه مالكٌ وأبو مُعَاوِيَةَ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ(8). وهكذا(9) رواه زَائِدَةُ عن هِشَامِ بن عُرْوَةَ، وقال فيه: ((فَدَعَا بِمَاءٍ، فَنَضَحَهُ عَلَيْهِ)).
          قالَ الطَّحَاوِيُّ: وإتباع الماء حكمه حكم الغسل، ألا ترى لو أنَّ رَجُلًا أصاب ثوبه عذرةٌ، فأتبعها الماء حتَّى ذهب بها أنَّ ثوبه قد طهر؟ قالَ ابنُ القَصَّارِ: والنَّضح في معنى الغسل في قوله صلعم للمُقْدَادِ: ((انْضَحْ فَرْجَكَ))، / وكما قال في حديث أَسْمَاءَ في غسل الدَّم: ((انْضَحِيْهِ))، فجعل النَّضح عبارةً عن الغسل.
          قال المُهَلَّبُ: والدَّليل على أنَّ النَّضح يُراد به كثرة الصَّبِّ والغسل قول العرب للجمل الَّذي يُستخرج به الماء مِن الأرض: ناضحٌ. قالَ ابنُ القَصَّارِ: وقد أجمع المسلمون على أنَّه لا فرق بين بول الرَّجل و(10) المرأة(11) في نَجاسته، كذلك(12) بول الغلام والجارية. قال المُهَلَّبُ: واللَّبن الَّذي قد رضعه الصَّبيُّ هو طعامٌ، وإنَّما قال في الحديث: لم يأكل الطَّعام، ليحكي القصَّة كما وقعت، لا للفرق(13) بين اللَّبن والطَّعام. وقال جماعةٌ مِن العلماء: حديث عَائِشَةَ وحديث أمِّ قَيْسٍ أصل في غسل البول من الثِّياب والجسد وغيرهما.


[1] قوله ((وقوله: فلم يغسله، من قول ابن شهاب، وقد رواه معمر عن ابن شهاب فقال فيه: فنضحه)) ليس في (م).
[2] قوله: ((قوله)) ليس في (ص).
[3] في (م): ((عن)).
[4] في (ز): حاشية: ((فائدةُ: قال الشَّيخ محيي الدِّين في «شرح مسلم» في الكلام على بول الصَّبيِّ وما فيه من خلاف للعلماء: واعلم أنَّ هذا الخلاف إنَّما هو في كيفية تطهير الشَّيء الَّذي بال عليه الصَّبيُّ ولا خلاف في نجاسته، وقد نقد بعض أصحابنا إجماع العلماء على نجاسة بول الصَّبيِّ وأنَّه لم يُخالف فيه إلَّا داود الظَّاهري، قال وأمَّا ما حكاه أبو الحَسَنِ ابن بطَّال ثمَّ القاضي عياض عن الشَّافعيِّ وغيره _يريد هؤلاء الَّذين عددهم ههنا_ أنَّهم قالوا: بول الصَّبيِّ طاهرٌ، فحكايةٌ باطلةٌ قطعًا والله أعلم انتهى.)).
[5] في المطبوع: ((بناحيتيها))، وفي (م): ((بجانبها)). في (ص): ((بناحيتها)).
[6] في (م): ((وقالت)).
[7] في المطبوع و(ص): ((فلم)).
[8] قوله ((رواه مالكٌ وأبو معاوية عن هشام بن عروة)) ليس في (م).
[9] قوله ((هكذا)) ليس في (م). في (ص): ((هكذا)).
[10] زاد في المطبوع: ((بول)).
[11] في (ص): ((وبول المرأة)).
[12] في (م): ((فكذلك)).
[13] في (م): ((الفرق)).