شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب وضوء الرجل مع امرأته وفضل وضوء المرأة

          ░43▒ باب وُضُوءِ الرَّجُلِ مَعَ امْرَأَتِهِ وَفَضْلِ وَضُوءِ الْمَرْأَةِ، وَتَوَضَّأَ عُمَرُ بِالْحَمِيمِ وَمِنْ بَيْتِ نَصْرَانِيَّةٍ.
          فيه: ابْن عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ(1): (كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّؤون جَمِيعًا في زَمَنِ رَسُولِ اللهِ صلعم). [خ¦193]
          قال ابن القصار: ذهب أئمة الفتوى بالأمصار إلى أنه لا بأس بالوضوء من فضل الحائض والجنب مثل أن يفضل في إنائهما ماء بعد فراغهما من غُسلهما، فيجوز للرجل أن يتوضأ بفضل وضوء المرأة وغسلها إلا أحمد بن حنبل فإنه قال: لا يجوز(2) أن يتوضأ من فضل ما توضأت به المرأة أو اغتسلت به منفردة، ووافقَنا على أنه(3) يجوز لها أن تتوضأ من فضل الرجل، والرجل من فضل الرجل، والمرأة من فضل المرأة، وكذلك إذا استعملاه جميعًا جاز أن يتوضأ الرجل منه، قال ابن القصار: وحديث(4) ابن عمر يسقط مذهبه لأن الرجال والنساء إذا توضؤوا من إناء واحد فإن الرجل يكون مستعملًا لفضل المرأة لا محالة.
          قال غيره: وحديث ابن عمر هذا(5) يعارض ما روي عن النبي صلعم: ((أنه نهى أن يتوضأ الرجل بفضل المرأة)) رواه(6) شعبة عن عاصم الأحول، سمعت أبا حاجب يحدث عن الحكم الغفاري عن النبي صلعم، ورواه عاصم الأحول عن عبد الله بن سرجس، / عن النبي صلعم مثله، وأحاديث الإباحة أصح، وقد سئل ابن عباس عن فضل وضوء المرأة فقال: هن ألطف منا بنانا وأطيب ريحًا، وهو قول زيد بن ثابت وجمهور الصحابة والتابعين إلا ابن عمر فإنه كره فضل وضوء الجنب والحائض، وكره سعيد بن المسيب والحسن البصري أن يتوضأ الرجل بفضل(7) المرأة. قال الطحاوي: فإن قيل: فإن حديث ابن عمر وعائشة ليس فيهما بيان لمن أجاز للرجل الوضوء من فضل المرأة لأنه يجوز أن يكونا يغتسلان جميعًا، وإنما التنازع بين الناس(8) إذا ابتدأ أحدهما قبل الآخر، فنظرنا في ذلك، فحدثنا سليمان بن شعيب قال: حدثنا الحصيب، حدثنا هَمَّام عن هشام بن عروة(9) عن عائشة: أنها والنبي صلعم(10) كانا يغتسلان من إناء واحد(11) يغترف قبلها وتغترف قبله، وروى حماد بن زيد عن أفلح بن حميد عن القاسم عن عائشة قالت: ((كنت أغتسل أنا ورسول الله صلعم(12) من إناء واحد تختلف فيه أيدينا من الجنابة)) ففي هذه الآثار تطهُّر(13) كل واحد من الرجل والمرأة بسؤر صاحبه، فضادّ ذلك أحاديث النهي، فوجب النظر لنُخرج به من المعنيين المتضادين معنى صحيحًا، فوجدنا الأصل المتفق عليه أن الرجل والمرأة إذا أخذا بأيديهم الماء معًا(14) من إناء واحد أن ذلك لا ينجس الماء، ورأينا النجاسات كلها إذا وقعت في الماء قبل أن يتوضأ منه أو مع التوضؤ منه أن حكم ذلك سواء، فلما كان ذلك كذلك وكان وضوء كل واحد من الرجل والمرأة مع صاحبه لا ينجس الماء عليه(15)، كان وضوؤه بعده من سؤره في النظر أيضًا كذلك.
          قال الطبري: والحميم الماء السُّخْن، وهو فعيل بمعنى مفعول كما قيل: قتيل بمعنى مقتول ورأس خضيب بمعنى مخضوب، ومنه سمِّي الحمَّام حَمَّامًا لإسخانه مَن دخله، وقيل للمحموم محمومًا(16) لسخونة جسده بالحرارة، ومنه قوله تعالى: {يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ}[الرحمن:44]يراد(17) به ماء قد أسخن فَأَنَّ حَرُّه واشتد حتى انتهى إلى غايته، قال ابن السكيت: الحميمة الماء المسخن(18)، يقال: احمِ(19) لنا الماء، قال ابن المنذر: وأجمع أهل الحجاز والعراق جميعًا على الوضوء(20) به غير مجاهد فإنه كره الوضوء بالماء السُّخن، وأما وضوء عمر من بيت نصرانية فإنه كان يرى سؤرها طاهرًا، وممن كان لا يرى بسؤر النصراني بأسًا الأوزاعي والثوري وأبو حنيفة وأصحابه والشافعي وأبو ثور، قال ابن المنذر: ولا أعلم أحدًا كره ذلك إلا أحمد وإسحاق، واختلف قول مالك في ذلك، فقال في «المدونة»: لا يتوضأ بسؤر النصراني ولا بما أدخل يده فيه، وفي «العتبية» لابن القاسم عن مالك مرَّةً أجازه ومرة كرهه، والسؤر بقية الماء في الإناء(21) عند العرب.


[1] قوله ((قال)) ليس في (م) و (ص).
[2] زاد في (م): ((للرجل)).
[3] في (م): ((منفردًا، وافقنا أنه)).
[4] في (م): ((حديث)).
[5] قوله ((هذا)) ليس في (م).
[6] في (م): ((ورواه)).
[7] زاد في (م): ((وضوء)).
[8] قوله ((بين الناس)) ليس في (م).
[9] زاد في (م): ((عن أبيه)).
[10] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[11] قوله ((واحد)) ليس في (م).
[12] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[13] في (ص): ((يتطهر)).
[14] في (م): ((إذا أخذا معًا بأيديهما الماء))، وفي (ص): ((إذا الماء بأيديهما معًا)).
[15] قوله: ((عليه)) ليس في (ص).
[16] في (م): ((محموم)).
[17] في (م): ((يريد)).
[18] في (ص): ((ماء سخِّن)).
[19] في (م): ((احموا)).
[20] في (م): ((أجمع أهل الحجاز والعراق على جواز الوضوء)).
[21] قوله ((في الإناء)) ليس في (م).