شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب أبوال الإبل والدواب والغنم ومرابضها

          ░66▒ [بَابُ: أَبْوَالِ الإبِلِ وَالدَّوَابِّ وَالغَنَمِ(1) وَمَرَابِضِهَا.
          وَصَلَّى أَبُو مُوسَى في دَارِ البَرِيدِ وَالسِّرْقِينِ، وَالبَرِّيَّةُ إلى جَنْبِهِ، فَقَالَ(2): هَاهُنَا وَثَمَّ سَوَاءٌ.
          فيهِ: أَنَسٌ: (أَن نَاسًا مِنْ عُكْلٍ أَوْ عُرَيْنَةَ قَدِمُوا المَدِينَةَ فَاجْتَوَوهَا، فَأَمَرَهُمُ النَّبيُّ ◙ بِلِقَاحٍ وَأَنْ يَشْرَبُوا مِنْ أَبْوَالِهَا وَأَلبَانِهَا) الحديث. [خ¦233]
          وفيهِ: أَنَسٌ: (أَنَّ النَّبيَّ صلعم كَانَ يُصَلِّي في مَرَابِضِ الغَنَمِ قَبْلَ أَنْ]
(3) / يُبْنَى المَسْجِدُ). [خ¦234]
          اختلف العلماء في طهارة أبوال ما يُؤكل لحمه: فذهب عَطَاءٌ والنَّخَعِيُّ والزُّهْرِيُّ وابنُ سِيرِين والحَكَمُ والشَّعْبِيُّ إلى أنَّها طاهرةٌ، وهو قول مالكٍ والثَّوْرِيِّ واللَّيْثِ ومُحَمَّدِ بنِ الحَسَنِ وَزُفَرَ والحَسَنِ بنِ صالحٍ(4) وأحمدَ وإِسْحَاقَ. وقال أبو حنيفةَ وأبو يُوسُفَ(5) والشَّافعيُّ وأبو ثَوْرٍ: الأبوال كلُّها نجسةٌ. ورُوِيَ مثله عن مَيْمُوْنَ بن مِهْرَانَ والحَسَنِ وحمَّادٍ. وقالَ ابنُ القَصَّارِ: وحجَّة أهل المقالة الأولى: حديث أَنَسٍ: ((أَنَّ النَّبيَّ صلعم أَبَاحَ للعُرَنِيِّيْنَ شُرْبَ أَبْوَالِ الإِبِلِ وَأَلْبَاِنِهَا)) فجعل ذلك بمنزلة اللَّبن، فلو كانت نجسةً ما أباح لهم(6) ذلك. وقال أهل المقالة الثَّانية: لا حجَّة لكم في هذا الحديث؛ لأنَّه صلعم إنَّما أباح لهم شرب البول للمرض؛ لأنَّهم استوخموا المدينة فأباحهم(7) ذلك، فعارضهم الأوَّلون، فقالوا: محالٌ أن يأمرهم النَّبيُّ صلعم(8) بشرب أبوالها وهي نجسةٌ؛ لأنَّ الأنجاس مُحرَّمةٌ علينا، وقد سُئِلَ النَّبيُّ صلعم(9) عن الاستشفاء بالخَمر فقال: ((ذَلِكَ دَاءٌ وَلَيْسَ بِشِفَاءٍ)). وقال ابن مَسْعُودٍ: ما كانَ اللهُ(10) ليجعلَ فيما حَرَّمَ شِفَاءً، فثبت أنَّ بول الإبل الَّذي جعله صلعم دواءً أنَّه طاهرٌ غير مُحَرَّمٍ. قاله الطَّحَاوِيُّ. وقال ابنُ القَصَّارِ: ومِن جهة النَّظر أنَّا قد اتَّفقنا أنَّ ريق ما يُؤكل لحمه وعرقه طاهرٌ، والمعنى فيه أنَّه مائعٌ مستحيلٌ مِن حيوانٍ مأكول اللَّحم ليس بدمٍ ولا قيحٍ، فكذلك بوله(11). وذهب ابنُ عُلَيَّةَ وأهلُ الظَّاهر إلى أنَّ بول كلِّ حيوانٍ وإن كان لا يُؤكل لحمه طاهرٌ غير ابن آدمَ(12). ورُوِيَ مثله عن الشَّعْبِيِّ، وروايةٌ عن الحَسَنِ، وخالفهم سائر العلماء. وقول البخاريُّ في التَّرجمة: بَابُ أَبْوَالِ الإِبِلِ والدَّوَابِ. وافق فيه أهل الظَّاهر، وقاس أبوال ما لا يُؤكل لحمه على أبوال الإبل، ولذلك قال: (وَصَلَّى أَبُو مُوسَى في دَارِ البَرِيْدِ والسِّرْقِيْن)، ليدلَّ على طهارة أرواث الدَّواب وأبوالها، ولا حجَّة له فيه بَيِّنَة؛ لأنَّه يمكن أن يُصَلِّي في دار البريد على ثوب بسطه فيه، أو في مكانٍ يابسِ لا تعلَق(13) به نجاسةٌ منه. وقد قال عامَّة الفقهاء: إنَّ مَن بَسَطَ على موضعٍ نجسٍ بساطًا وصَلَّى عليه أنَّ صلاته جائزةٌ، ولو صَلَّى على السِّرْقِيْن بغير بساطٍ لكان مذهبًا له، ولم تجزْ مُخالفة الجماعة به. وذهب أبو حنيفةَ وأبو يُوسُفَ ومحمَّدٌ والشَّافعيُّ، إلى أنَّ الأرواث كلَّها نجسةٌ. وقال مالكٌ والثَّوْرِيُّ وزَفَرُ(14) والحَسَنُ بنُ حَيٍّ: ما أُكل لحمه فروثه طاهرٌ كبوله. وقال الثَّوْرِيُّ في خُرْءِ الدَّجَاجِ: ليس فيه إعادةٌ وغسله أحسن.
          (15) واجتَوَيْتَ البلاد، إذا كرهتها وإن كانت موافقةً لذلك(16) في بدنك. واستَوْبَلْتَهَا(17)، إذا لم توافقك في بدنك وإن أحببتها، وسَمَلَ وسَمَرَ(18) بمعنى واحد، وقال صاحب «العين»:(19) فقأها، والسِّرْقِيْنُ والسِّرْجِيْنُ: زبل الدَّواب.


[1] في المطبوع: ((والغنم والدَّواب)).
[2] في (م): ((فيقال)).
[3] ما بين معقوفتين ليس في (ص).
[4] قوله: ((والحسن بن صالح)) ليس في (م).
[5] قوله: ((وأبو يوسف)) ليس في (ص).
[6] في (م): ((ما أباحهم)).
[7] في (م): ((فأباح لهم)).
[8] في (م) و(ص): ((أن يأمرهم ◙)).
[9] قوله: ((النَّبيِّ صلعم)) ليس في (م). في (ص): ((سئل ◙)).
[10] في (ص): ((ما كان ◙)).
[11] قوله: ((وقالَ ابنُ القَصَّارِ: ومن جهة النَّظر أنَّا قد اتَّفقنا أن ريق ما يؤكل لحمه وعرقه طاهرٌ، والمعنى فيه أنَّه مائعٌ مستحيلٌ من حيوانٍ مأكول اللَّحم ليس بدمٍ ولا قيحٍ، فكذلك بوله)) ليس في (م).
[12] في (م): ((لحمه غير ابن آدم طاهر)).
[13] في (م): ((يتعلَّق)).
[14] قوله: ((وزفر)) ليس في (م).
[15] زاد في (م): ((وقوله اجتووا المدينة))، وزاد في المطبوع و(ص): ((اجتووا المدينة)).
[16] في (م) والمطبوع: ((لك)). في (ص) صورتها: ((تلك)) مهملة.
[17] في (م): ((واستربلتها)).
[18] في (م): ((وسمل وسمر)).
[19] زاد في المطبوع و(م) و(ص): ((الأفعال: سمر العين)).