شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التماس الوضوء إذا حانت الصلاة

          ░32▒ باب الْتِمَاس الْوَضُوءِ إِذَا حَانَتِ الصَّلاةُ، وَقَالَتْ عَائِشَةُ: حَضَرَتِ الصُّبْحُ، فَالْتُمِسَ الْمَاءُ فَلَمْ يُوجَدْ، فَنَزَلَ التَّيَمُّمُ.
          فيه: أَنَس: (رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم وَحَانَتِ(1) الْعَصْرِ، فَالْتَمَسَ النَّاسُ الْوَضُوءَ فَلَمْ يَجِدُوهُ، وَأُتِيَ(2) رَسُولُ اللهِ صلعم بِوَضُوءٍ، فَوَضَعَ رَسُولُ اللهِ صلعم في ذَلِكَ الإنَاءِ يَدَهُ(3)، وَأَمَرَ النَّاسَ أَنْ يَتَوَضَّؤوا مِنْهُ، قَالَ: فَرَأَيْتُ الْمَاءَ يَنْبُعُ مِنْ تَحْتِ أَصَابِعِهِ حَتَّى تَوَضَّؤوا مِنْ عِنْدِ آخِرِهِمْ). [خ¦169]
          قال: الصلاة لا تجب إلا بدخول الوقت بإجماع الأمة، وعند وجوبها يجب التماس الماء للوضوء لمن كان على غير طهارة، والوضوء قبل الوقت حسن لأنه من التأهب للصلاة، ألا ترى أن التأهب للعدو قبل لقائه حسن؟ وليس التيمم هكذا، ولا يجوز عند أهل الحجاز التيمم للصلاة قبل وقتها، وأجازه أهل العراق ولهذا أجازوا صلوات كثيرة بتيمم واحد.
          قال المُهَلَّب: وفيه(4) أن الأملاك ترتفع عند الضرورة(5) لأنه إذا أتي رسول الله صلعم(6) بالماء لم يكن أحد أحق به من غيره بل كانوا فيه سواء، فعرضتُه على بعض أهل العلم فقال: ليس في الحديث ما يدل على ارتفاع ملك مالكه(7) ولا في الأصول ما يرفع الأملاك عن أربابها إلا برضى منهم، ولعله أراد أن المواساة لازمة عند الضرورة لمن كان في مائه فضل عن وضوئه. قال عبد الواحد: مما يدل على أنْ ليس في إتيانهم بالماء ارتفاع ملك مالكه(8) أنه لو لم يكن في ذلك الماء غير ما يُفوّت وضوء الآتي به لم يجز له أن يعطيه لغيره ويتيمم لأنه كان يكون واجدًا للماء، فلا يجزئه التيمم إلا أن يكون النبيَّ صلعم(9) أو إمامَ المسلمين، فينبغي أن يفضله به على نفسه لحاجة الإمام إلى كمال الطهارة وأنها(10) فيه أوكد من سائر الناس، والماء الذي أتي به رسول الله صلعم(11) لم يرتفع ملك أحد عنه(12) لأن من أتى به فقد(13) توضأ به، والماء الذي نبع وعم الناس كان ببركة النبي صلعم ومن أجله، فلم(14) يكن لأحد تملكه.
          وقال المزني: ما أعطي رسول الله صلعم من هذه الآية العظيمة والعلم الجسيم في نبع الماء من بين أصابعه أعظمُ مما أوتيه موسى صلعم(15) حين ضرب بعصاه الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا؛ لأن المعهود أن(16) تنفجر من الحجارة وليس بمعهود أن يتفجر من بين أصابع أحد غير نبينا ◙(17)، وقال المُهَلَّب مثلَه(18) وزاد أن(19) الماء كان بمقدار وَضوء رجل واحد وعمَّ أهل العسكر أجمعين ببركته ◙.
          وهذا الحديث شهده جماعة كثيرة من أصحاب النبي صلعم إلا أنه لم يرو إلا من طريق أنس، وذلك _والله أعلم_ لطول عمره ولطلب الناس العلوَّ في السند.


[1] زاد في (م) و (ص): ((صلاة)).
[2] في (م): ((فأتي)).
[3] في (م): ((يديه)).
[4] في (ص): ((وعنه)) كذا، ونبه إلى المثبت في نسخة.
[5] في (م): ((الضرورات)).
[6] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[7] في (م): ((ملك مالك)).
[8] في (م): ((ارتفاع مالك)).
[9] في (ص): ((أن يكون الرسول)).
[10] قوله: ((وأنها)) مطموس في (ص).
[11] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[12] في (م): ((لم يرتفع عنه ملك أحد)).
[13] في (م): ((قد)).
[14] في (ز): ((فلا)) والمثبت من (م) و (ص)
[15] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[16] في (م) و (ص): ((لأن الماء معهود أن)).
[17] قوله: ((◙)) ليس في (ص).
[18] قوله ((مثله)) ليس في (م).
[19] في (م): ((لأن)).