شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب التسمية على كل حال وعند الوقاع

          ░8▒ باب التَّسْمِيَةِ على كُلِّ حَالٍ / وَعِنْدَ الْوِقَاعِ.
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ قَالَ النبيُّ صلعم: (لَوْ أَنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا أَتَى أَهْلَهُ قَالَ: بِاسْمِ اللهِ، اللَّهُمَّ جَنِّبْنَا الشَّيْطَانَ وَجَنِّبِ الشَّيْطَانَ مَا رَزَقْتَنَا، فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ لَمْ يَضُرَّهُ). [خ¦141]
          هذا(1) الحديث مطابق لقوله تعالى حاكيًا عن مريم: {وِإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ}[آل عِمْرَان:36]وفي هذا الحديث حثٌّ وندب على ذكر الله تعالى في كل وقت على حال طهارة وغيرها وردُّ قول من أنكر ذلك، وهو قول يروى عن ابن عمر أنه كان لا يذكر الله إلا وهو طاهر وروي مثله عن أبي العالية والحسن، وروي عن ابن عباس أنه كره أن يذكر الله على حالتين: على الخلاء والرجل يواقع أهله وهو قول عطاء ومجاهد، قال مجاهد: يجتنب الملَك الإنسان عند جماعه وعند غائطه، وهذا الحديث خلاف قولهم.
          وفيه أن التسمية عند ابتداء كل عمل مستحبة تبركًا بها واستشعارًا أن الله(2) سبحانه هو الميسر لذلك العمل والمعين عليه، وكذلك استحب مالك وعامة أئمة الفتوى التسمية عند الوضوء، وذهب بعض من زعم أنه من أهل العلم إلى أن التسمية فرض في الوضوء، وحجة الجماعة قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ(3) إِذَا قُمْتُمْ إلى الصَّلاةِ فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ(4)}[المائدة:6]الآية ولم يذكر تسميةً، فلا توجب غير ما أوجبته الآية إلا بدليل(5)، فإن قيل: فقد(6) روي عن النبي صلعم أنه قال: ((لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)) قيل: فقد(7) قال أحمد بن حنبل: لا يصح في ذلك حديث، ولو صح لكان معناه لا وضوء كاملًا كما قال: ((لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد)) و((لا إيمان لمن لا أمانة له)) وهذا الذي أوجب التسمية عند الوضوء لا يوجبها عند غسل الجنابة والحيض، وهذا مناقض(8) لإجماع العلماء أن من اغتسل من الجنابة ولم يتوضأ وصلى أن صلاته تامة.


[1] في (م): ((قال: هذا)).
[2] في (ص): ((استشعارًا والله)) ليس في (ص).
[3] قوله ((يا أيها الذين آمنوا)) ليس في (م).
[4] قوله: ((وجوهكم وأيديكم)) ليس في (ص).
[5] في (م): ((فلا يوجب غير ما أوجبت الآية إلا بدلالة)).
[6] في (م): ((قد)).
[7] في (م) و (ص): ((قد)).
[8] في (م) و (ص): ((يناقض)).