شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب المضمضة في الوضوء

          ░28▒ باب الْمَضْمَضَة(1) في الْوُضُوءِ.
          قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ زَيْدٍ عَنِ النبي صلعم.
          فيه: عُثْمَان أنَّه دَعَا بِوَضُوءٍ، فَأَفْرَغَ على يَدَيْهِ فَغَسَلَهُمَا ثَلاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أَدْخَلَ يَمِينَهُ في الْوَضُوءِ، ثُمَّ تَمَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ وَاسْتَنْثَرَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ ثَلاثًا وَيَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا، ثم مَسَحَ(2) بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلاثًا(3)... الحديث. [خ¦164]
          قال ابن القصار: واختلف العلماء في المضمضة والاستنشاق على أربعة مذاهب، فذهب ربيعة ومالك والليث والأوزاعي(4) والشافعي إلى أنهما يسنان(5) في الوضوء وفي غسل الجنابة جميعًا، وذهب إسحاق وابن أبي ليلى إلى أنهما واجبتان في الطهارتين جميعًا الوضوءِ وغسل ِالجنابة(6)، وذهب الثوري وأبو حنيفة وأصحابه إلى أنهما واجبتان في غُسل الجنابة غير واجبتين في الوضوء وهو قول إسحاق وحماد بن أبي سليمان(7)، وذهب أحمد وأبو ثور إلى أن الاستنشاق واجب فيهما والمضمضة غير واجبة فيهما.
          وحجة(8) القول الأول أنه لا فرض في الوضوء إلا ما ذكر الله تعالى في القرآن، وذكر(9) غسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس وغسل الرجلين، قالوا: وما لم يوجبه الله في كتابه ولا أوجبه رسوله ولا اتفق الجميع عليه فليس بواجب، والفرائض لا تثبت إلا من هذه الوجوه، وقالوا: الوجه ما ظهر لا ما بطن وقد أجمعوا أنه ليس عليه غسل باطن عينيه فكذلك(10) المضمضة والاستنشاق، وروي عن ابن عمر أنه كان يدخل الماء في عينيه في وضوئه ولم يتابَع عليه(11)؛ وحجة الكوفيين قوله صلعم: ((تحت كل شعرة جنابة، فبُلُّوا الشعْر وأنقُوا البشرة)) وفي الأنف ما فيه من الشعر، ولا يُوصَل إلى غسل الأسنان والشفتين إلا بالمضمضة وقد قال صلعم: ((العينان تزنيان والفم يزني)) وحجة من أوجبهما في الوضوء والغسل(12) قوله تعالى: {وَلاَ جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُواْ}[النساء:43] / كما قال تعالى في الوضوء: {فاغْسِلُواْ وُجُوهَكُمْ}[المائدة:6]فما وجب في الواحد من الغسل وجب في الآخر، ولم يحفظ أحد عن النبي صلعم أنه ترك ذلك في وضوئه ولا غسله وهو الْمُبَيِّن عن الله ╡ مرادَه، وحجة من فرق بين المضمضة والاستنشاق أن النبي صلعم(13) فعل المضمضة ولم يأمر بها وفعل الاستنشاق وأمر به، فأمره(14) صلعم(15) أقوى من فعله.


[1] زاد في (ص): ((والاستنشاق)).
[2] في (ص): ((ومسح)).
[3] قوله ((وَيَدَيْهِ إلى الْمِرْفَقَيْنِ ثَلاثًا، ثم مَسَحَ بِرَأْسِهِ، ثُمَّ غَسَلَ كُلَّ رِجْلٍ ثَلاثًا)) ليس في (م).
[4] في (م): ((والأوزاعي والليث)).
[5] في (م): ((سنتان)).
[6] قوله ((وذهب إسحاق... الوضوء وغسل الجنابة)) ليس في (م).
[7] قوله ((وحماد بن أبي سليمان)) ليس في (م).
[8] زاد في (م): ((أهل)).
[9] في (م): ((وذلك)).
[10] في (ص): ((وكذلك)).
[11] قوله ((وروي عن ابن عمر...ولم يتابَع عليه)) ليس في (م).
[12] في (م): ((في الطهارتين)).
[13] في (ص): ((أن الرسول)).
[14] في (م) و (ص): ((وأمره)).
[15] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).