شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب فضل من بات على الوضوء

          ░75▒ بَابُ: فَضْلِ مَنْ بَاتَ عَلَى وُضُوء.
          قَالَ(1) البَرَاء بن عَازِبٍ: قَالَ النَّبِيُّ صلعم: (إِذَا أَتَيْتَ مَضْجَعَكَ فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلاةِ ثمَّ اضْطَجِعْ عَلَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، ثمَّ قُل: اللَّهُمَّ إِنِّي(2) أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لَا مَلْجَأَ وَلَا مَنْجَا مِنْكَ إِلَّا إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ(3) الَّذِي أَرْسَلْتَ، فَإِنْ مُتَّ مِنْ لَيْلَتِكَ فَأَنْتَ عَلَى الفِطْرَةِ، وَاجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ، قَالَ: فَرَدَّدْتُهَا عَلَى النَّبِيِّ صلعم، فَلَمَّا بَلَغْتُ: / آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، قَالَ: لا، وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ). [خ¦247]
          فيه: أنَّ الوضوء عند النَّوم مندوبٌ إليه مرَّغبٌ فيه، وكذلك الدَّعاء؛ لأَّنه قد تُقبض روحه في نومه(4)، فيكون قد ختم عمله(5) بالوضوء والدَّعاء الَّذي هو أفضل الأعمال، ولذلك كان ابن عُمَرَ يجعل آخر عمله الوضوء والدُّعاء(6)، فإذا تكلَّم بعد ذلك استأنف الصَّلاة والدُّعاء، ثمَّ ينام على ذلك اقتداءً بالنَّبيِّ صلعم لقوله: (اجْعَلْهُنَّ آخِرَ مَا تَتَكَلَّمُ بِهِ).
          وقوله صلعم: (وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ).(7) حجَّةٌ لمن قال: إنَّه لا يجو نقل حديث النَّبيِّ صلعم على المعنى دون اللَّفظ، وهو قول ابن سِيرِين ومالكٍ وجماعةٍ من أصحاب الحديث.
          وقال المُهَلَّبُ: إنَّما(8) لم تُبَدَّلْ ألفاظه ◙ لأنَّها ينابيع الحكمة وَجوامع الكلام، فلو جُوِّزَ(9) أن يُغَيَّر(10) عن كلامه بكلام غيره سقطت فائدة النَّهاية في البلاغة الَّتي أعطيها صلعم. وقال بعض العلماء: لم يُرِدِ النَّبيُ صلعم بردِّه(11) على البراء تحرَّي لفظه(12) فقط، وإنَّما أراد بذلك ما في قوله: (وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) مِن المعنى الَّذي ليس في قوله: (وَرَسُولِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ)، وذلك أنَّه إذا قال(13): (وَرَسُوْلِكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) يدخل فيه جبريل صلعم وغيره من الملائكة(14) الَّذين هم رسل الله ╡ إلى أنبيائه صَلَّى(15) اللهُ عليهم وليسوا بأنبياء، كما قال تعالى في كتابه: {اللهُ يَصْطَفِي مِنَ المَلاَئِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ}[الحج:75]، فأراد(16) بقوله: (وَنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ) تلخيص الكلام مِن اللَّبس أنَّه المراد ◙ بالتَّصديق بنُبُوَّته بعد التَّصديق بكتابه الَّذي أوحى(17) الله ╡ إليه وأمرهم بالإيمان به، وإن كان غيره مِن رسل الله أيضًا واجب الإيمان بهم(18)، وهذه شهادة الإخلاص والتَّوحيد الَّذي(19) مَن مات عليها دخل الجنَّة، ألا ترى قوله صلعم: (فَإِنْ مُتَّ مُتَّ على الفِطْرَةِ) يعني فطرة(20) الإيمان. تمَّ(21) كتاب الوضوء(22).


[1] في (م): ((فيه)).
[2] قوله: ((إنِّي)) ليس في (م).
[3] في (م) و(ص): ((ونبيِّك)).
[4] في (م): ((منامه)).
[5] في (م): ((قد ختمه)).
[6] في (م): ((آخر عمله في ليله الصَّلاة والدَّعاء)).
[7] زاد في (م): ((فيه)).
[8] في (م): ((قال المهلَّب وإنَّما)).
[9] في (م): ((جاز)).
[10] في المطبوع و(ص): ((يعبَّر)).
[11] في (م): ((يردَّ ◙ ردَّه)).
[12] في المطبوع و(ص): ((قوله)).
[13] زاد في (م): ((له)).
[14] زاد في (م): ((‰)).
[15] في (م): ((صلوات)).
[16] زاد في (م): ((◙)).
[17] في (م): ((أوحاه)).
[18] قوله: ((وإن كان غيره من رسل الله أيضًا واجب الإيمان بهم)) ليس في (م).
[19] في (م): ((الَّتي)).
[20] زاد في (م): ((الإسلام و)).
[21] في المطبوع و(ص): ((كمل)).
[22] زاد في المطبوع و(ص): ((بحمد الله وعونه)). وقوله: ((تمَّ كتاب الوضوء)) ليس في (م).