شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب ما يقول عند الخلاء

          ░9▒ باب مَا يَقُولُ عِنْدَ الْخَلاءِ.
          فيه: أَنَس، كَانَ النبي صلعم إِذَا دَخَلَ الْخَلاءَ قَالَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْخُبُثِ وَالْخَبَائِثِ). [خ¦142]
          ورواه غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ وَقَالَ: ((إِذَا أَتَى الْخَلاءَ)) وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ زَيْدٍ عَنْ عَبْد الْعَزِيزِ: ((إِذَا أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْخَلاءَ(1))).
          قال المؤلف: فيه جواز ذكر الله تعالى على الخلاء، وهذا مما اختلفت فيه الآثار فروي عن النبي صلعم: ((أنه أقبل من نحو بئر جُمل(2)، فلقيه رجل فسلم عليه، فلم يرد ◙ حتى تيمم بالجدار)) واختلف في ذلك أيضًا العلماء، فروي عن ابن عباس أنه كره أن يذكر الله عند الخلاء وهو قول عطاء ومجاهد والشَّعبي وعكرمة(3)، وقال عِكْرِمَة: لا يذكر الله في الخلاء بلسانه ولكن بقلبه وأجاز ذلك جماعة من العلماء، وروى(4) ابن وهب أن عبد الله بن عَمْرو بن العاص(5) كان يذكر الله في المرحاض، وقال العَرْزَمي قلت للشعبي: أعطسُ وأنا في الخلاء، أحمد الله؟ قال: لا حتى تخرج، فأتيت النَّخَعِي فسألته عن ذلك فقال لي: احمد الله، فأخبرته / بقول الشَّعبي فقال النَّخَعِي(6): إن الحمد يصعد ولا يهبط، وهو قول ابن سيرين ومالك بن أنس، وهذا الحديث حجة لمن أجاز ذلك، وذكر البخاري في كتاب خلق أفعال العباد: قال عطاء في الخاتم فيه ذكر الله: لا بأس أن يدخل به الإنسان الكَنِيف أو يُلِمَّ بأهله وهو في يده(7) لا بأس به وهو قول الحسن، وذكر وكيع عن سعيد بن المسيب مثله، قال البخاري(8): وقال طاوس في الْمِنطْقَة تكون على الرجل تكون(9) فيها الدراهم يقضي حاجته: لا بأس بذلك، وقال إبراهيم: لا بد للناس من نفقاتهم، وأحبَّ بعضُ التابعين ألا يدخل الخلاء بالخاتم فيه ذكر الله، قال البخاري: وهذا من غير تحريم يصح، وذكر وكيع عن سعيد بن المسيب مثل قول عطاء.
          وأما اختلاف ألفاظ الرواة في قوله: (إِذَا دَخَل) و(إِذَا أَرَادَ أن يدخل) فالمعنى فيه متقارب، ألا ترى قوله ╡: {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ(10)}[النحل:98]والمراد إذا أردت أن تقرأ غير أن الاستعاذة بالله متصلة بالقراءة لا زمان بينهما، وكذلك الاستعاذة بالله من الخبث والخبائث لمن أراد دخول الخلاء متصلة بالدخول فلا يمنع من إتمامها في الخلاء، مع أن من روى عن النبي صلعم (أنه كان يقول ذلك إذا أتى(11) الخلاء) أولى من رواية من روى (إذا أراد أن يدخل الخلاء) لأنها زيادة والأخذ بالزيادة أولى(12)، وأما حديث بئر جُمل فإنما هو على الاختيار والأخذ بالفضل لأنه ليس من شرط رد السلام أن يكون على وضوء قاله الطحاوي، وقال الطبري: وأما(13) حديث بئر جمل وشبهه فإن ذلك كان منه صلعم على وجه التأديب للمُسَلِّم عليه ألا يُسَلِّم بعضهم على بعض على حال كونهم على الحدث، وذلك نظير نهيه وهم كذلك أن يحدث بعضهم بعضًا بقوله: ((لا يتحدث المتغوِّطان على طَوْفهما فإن الله يمقتهما)) وروى أبو عبيدة النَّاجي عن الحسن عن البراء: ((أنه سلم على النبي صلعم(14) وهو يتوضأ، فلم يرد عليه شيئًا حتى فرغ(15))).
          وفسر(16) أبو عبيد(17): (الْخُبُث وَالْخَبَائِث) فقال: الخبث يعم الشر، والخبائث الشياطين، وقال أبو سليمان الخطابي: أصحاب الحديث يروونه الخُبْث _ساكنة الباء_ وإنما هو الخُبُث _مضموم الباء_ جمع خبيث(18) والخبائث جمع خبيثة، استعاذ بالله من مردة الجن ذكورهم وإناثهم، فأما الخُبْث _ساكن الباء_ فهو مصدر خَبُثَ الشيء يخبثُ خبثًا وقد يجعل اسمًا، قال ابن الأعرابي: وأصل الخبث في كلام العرب المكروه، فإن كان من الكلام فهو الشتم، وإن كان من المِلَلْ فهو الكفر، وإن كان من الطعام فهو الحرام، وإن كان من الشراب فهو الضار، وقال الحسن: إن هذه الحشوش محتضرة، فإذا دخل أحدكم فليقل: اللَّهُمَّ إني أعوذ بك من الرجس النجس الخبيث المخبث(19)، وقال الحسن البصري: قال رسول الله صلعم: ((إذا خرج أحدكم من الغائط فليقل: الحمد الله الذي عافاني وأذهب عني الأذى)) وقوله: ((طَوْفهما(20))) يعني حاجتهما(21).


[1] قوله ((الخلاء)) ليس في (م).
[2] في (م): ((جَمل)).
[3] قوله ((وعكرمة)) ليس في (م).
[4] في (م): ((روى)).
[5] في (م): ((العاصي)).
[6] في (م): ((إبراهيم)).
[7] في (م): ((وهو بيده)).
[8] قوله ((وذكر وكيع عن سعيد بن المسيب مثله، قال البخاري:)) ليس في (م).
[9] قوله ((تكون)) ليس في (م).
[10] قوله ((من الشيطان الرجيم)) ليس في (م).
[11] في (م): ((دخل)).
[12] في (م): ((واجب)).
[13] في (ص): ((أما)).
[14] في (ص): ((على الرسول)).
[15] زاد في (م): ((من وضوئه ورد عليه)).
[16] في (م): ((وقد فسر)).
[17] زاد في (م): ((قوله)).
[18] في (ز): ((خبائث)) والمثبت من (م) و (ص).
[19] زاد في (م): ((الشيطان الرجيم)) ونبه إليه في (ص) في نسخة.
[20] في (م): ((بطوفهما)).
[21] قوله ((وقال الحسن البصري: قال رسول الله صلعم: إذا خرج أحدكم من الغائط فليقل: الحمد الله الذي عافاني وأذهب عني الأذى. وقوله: طوفهما يعني حاجتهما)) وضعها في (م) في الحاشية وكتب فوقها: ((ليس في الأصل)).