شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب غسل الرجلين في النعلين ولا يمسح على النعلين

          ░30▒ باب غَسْل الرِّجْلَيْنِ في النَّعْلَيْنِ، وَلا يَمْسَحُ على النَّعْلَيْنِ.
          فيه: ابن عُمَرَ أنه كان يَصنَع أَرْبَعًا لَمْ يكن أَحَد مِنْ أَصْحَابِه يَصْنَعُهَا، قَالَ: (وَأَمَّا النِّعَالُ السِّبْتِيَّةُ فَإِنِّي رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم يَلْبَسُ النَّعْلَ(1) التي لَيْسَ فِيهَا شَعَرٌ وَيَتَوَضَّأُ فِيهَا، فَأَنَا أُحِبُّ أَنْ أَلْبَسَهَا) وذكر باقي(2) الحديث. [خ¦166]
          في ترجمة(3) البخاري لهذا الباب ردٌّ لما روي عن النبي(4) صلعم: (أنه كان يمسح على النعلين في الوضوء) وروي أيضًا عن علي بن أبي طالب أنه أجاز ذلك، وعن أبي مسعود الأنصاري والبراء مثله، وروي أيضًا عن النَّخَعِي، وحجة هذا القول ما روى(5) حماد بن سلمة عن يعلى بن عطاء عن أوس بن أبي أوس عن أبيه: أنه كان في سفر فمسح على نعليه، فقيل له: لم تفعل(6) هذا؟ قال: ((رأيت رسول الله صلعم يمسح على النعلين)) فأراد البخاري أن يعرفك من حديث ابن عمر أن رواية من روى عن النبي صلعم(7) المسح على النعلين كان وهمًا، وأنه كان غسلًا بدليل هذا الحديث، ولم يصح عند البخاري حديث المسح على النعلين، وأوس بن أبي أوس من الشيوخ الذين لا يوازَون بعُبيد بن جُريج عن ابن عمر، وبترك المسح على النعلين قال أئمة الفتوى بالأمصار(8).
          فإن قال قائل: فقد روى الثوري عن يحيى بن أبي حية عن أبي الجلاس عن ابن عمر: أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه، فدل أن قوله في حديث عبيد بن جُريج: ((أن رسول الله صلعم(9) كان يتوضأ في النعال السبتية)) أنه كان يمسح رجليه في نعليه في الوضوء لا أنه كان يغسلهما، قيل له: ليس كما توهمت، ولا يصح عن ابن عمر أنه كان يمسح على جوربيه ونعليه لأن يحيى بن أبي حية ضعيف ولا(10) حجة في نقله، والصحيح عن ابن عمر بنقل الأئمة أنه كان يغسل رجليه ولا يمسح عليهما، روى أبو عوانة عن أبي بشر عن مجاهد: أنه ذكر له المسح على القدمين فقال: كان ابن عمر يغسل رجليه غسلًا، وكنت أسكب عليه الماء سكبًا، وروى عبد العزيز بن الماجشون عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر مثلَه، وقال عطاء: لم يبلغني عن أحد من أصحاب رسول الله صلعم أنه مسح على نعليه، فهذا يوهن ما روي عن ابن عمر أنه مسح على نعليه.
          قال(11) الطحاوي: ونظرنا في اختلاف هذه الآثار لنعلم صحيح الحكم في ذلك، فرأينا الخفين اللَّذين جوِّز المسح عليهما، إذا تخرقا حتى بدت القدمان منهما أو أكثرهما فكلٌّ قد أجمع أنه لا يمسح عليهما، فلما كان المسح على الخفين إنما يجوز إذا غيَّبَا القدمين ويبطل إذا لم يُغِيِّبَا القدمين، وكانت النعلان غير مغيِّبة(12) للقدمين ثبت(13) أنهما كالخفين اللذين لا يغيبان القدمين، فلا يجوز المسح عليهما. / والنعال السبتيَّة هي التي لا شعر فيها، قال صاحب «العين»: سبت رأسه إذا حلقه، وسأزيد في شرحها في كتاب اللباس في باب النعال السبتية إن شاء الله تعالى(14).


[1] في (ص): ((النعال)).
[2] قوله ((باقي)) ليس في (م).
[3] في (م): ((قال بعض الناس: في ترجمة)).
[4] في (ص): ((لهذا الحديث ردٌّ لما روي عن الرسول)).
[5] في (م): ((رواه)).
[6] في (م): ((أتفعل)).
[7] في (ص): ((عن الرسول)).
[8] زاد في (م): ((في غسل رسول الله صلعم رجليه في الوضوء ردٌّ على من قال بالمسح على النعلين)).
[9] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[10] في (م): ((لا)).
[11] في (م): ((وقال)).
[12] في (م): ((مغيِّبَتَيْن)).
[13] في (م): ((فثبت)).
[14] قوله: ((تعالى)) ليس في (ص).