شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الاستنجاء بالماء

          ░15▒ باب الاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ.
          فيه: أَنَس: (كَانَ النبي صلعم إِذَا خَرَجَ بِحَاجَتِهِ(1) أَجِيءُ أَنَا وَغُلامٌ مَعَنَا إِدَاوَةٌ مِنْ مَاءٍ) يعني يَسْتَنْجِي بِهِ. [خ¦150]
          قال المُهَلَّب: قال أبو محمد الأصيلي: الاستنجاء بالماء ليس بالبين في هذا الحديث لأن قوله: (يعني يَسْتَنْجِي بِهِ) ليس من قول أنس وإنما هو من قول أبي الوليد الطيالسي، وقد رواه سليمان بن حرب عن شعبة، وقال شعبة(2): ((تبعته أنا وغلام معنا إداوة من ماء)) ولم يذكر فيستنجي به، فيحتمل أن يكون الماء لطهوره أو لوضوئه، فقال له أبو عبد الله بن أبي صُفرة: قد تابع أبا الوليد النضرُ وشاذان عن شعبة وقالا: ((يستنجي بالماء)) فقال:(3) تواترت الآثار عن أبي هريرة وأسامة وغيرهما من الصحابة على الحجارة.
          قال المؤلف: وقد اختلف السلف في الاستنجاء بالماء، فأما المهاجرون فكانوا يستنجون بالأحجار وأنكر الاستنجاء بالماء سعد بن أبي وقاص وحذيفة وابن الزبير وسعيد بن المسيب وقال: إنما ذلك وضوء النساء، وكان الحسن لا يغسل بالماء، وقال عطاء: غسل الدبر محدث؛ وكان الأنصار يستنجون بالماء وكان ابن عمر يرى الاستنجاء بالماء بعد أن لم يكن يراه، وهو مذهب رافع بن خديج وروي ذلك عن حذيفة، وعن أنس أنه كان يستنجي بالحُرْض، واحتج الطحاوي للاستنجاء بالماء فقال: قال الله تعالى: {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}[البقرة:222]فطلبنا تأويل ذلك فوجدنا السلف قد تأولوا معنى الآية على قولين فقال(4) عطاء: إن الله يحب التوابين يعني من الذنوب والمتطهرين بالماء، وروي عن علي بن أبي طالب مثله وعن أبي(5) الجوزاء، ففي هذا أن الطهارة التي أحب الله أهلها عليها في هذه الآية هي الطهارة بالماء، وقال أبو العالية: إن الله يحب التوابين ويحب المتطهرين(6) من الذنوب.
          ولما اختلفوا في التأويل طلبنا الوجه فيه من كتاب الله ╡(7)، فوجدنا الله تعالى(8) قال: {فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ}[التوبة:108]وقال الشَّعبي: لما نزلت هذه الآية، قال النبي صلعم: ((يا أهل قباء ما هذا الثناء الذي أثنى الله عليكم؟)) قالوا: ما منا أحد إلا وهو يستنجي بالماء، وروى سفيان عن يونس بن خَبَّاب عن عبد الرحمن بن أبي الزناد عن عبد الله بن خَبَّاب أن أهل قباء ذكروا للنبي صلعم الاستنجاء بالماء فقال: ((إن الله قد أثنى عليكم فدوموا)) وقال محمد بن عبد الله بن سلام: إنا نجده مكتوبًا علينا في التوراة(9) الاستنجاء بالماء، فدل ذلك أن الطهارة المذكورة في الآية الأولى هي هذه الطهارة(10)، وقال غيره: روت معاذة عن عائشة قالت: ((مُرن أزواجكن أن يغسلوا أثر الغائط والبول بالماء، فإن رسول الله صلعم كان يفعله)) وروى مالك في موطئه عن عُمَر بن الخطاب ☺(11) أنه كان يتوضأ بالماء وضوءًا لما / تحت إزاره، قال مالك: يريد الاستنجاء بالماء، وترجم لحديث أنس: باب من حمل معه الماء لطهوره وباب حمل العَنَزَة مع الماء في الاستنجاء، قال المُهَلَّب: معنى حمل العنزة والله أعلم أنه كان إذا استنجى توضأ، وإذا توضأ صلى(12) فكانت العنزة(13) لسترته في الصلاة.
          وفيه أن خدمة العالم وحمل ما يحتاج إليه من إناء وغيره شرف بالمتعلم(14) ومستحب له ألا ترى قول أبي الدرداء: أليس فيكم صاحب النعلين والطهور والوسادة يعني عبد الله بن مسعود، فأراد بذلك الثناء عليه والمدح له لخدمة النبي صلعم.


[1] في (م) و (ص): ((لحاجته)).
[2] قوله ((شعبة)) ليس في (م).
[3] زاد في (م): ((قد)).
[4] في (م): ((قال)).
[5] في (م): ((وهو قول أبي الجوزاء)).
[6] زاد في (م): ((قال)).
[7] قوله: ((╡)) ليس في (ص).
[8] قوله: ((تعالى)) ليس في (ص).
[9] زاد في (م): ((يعني)).
[10] في (م): ((الأحرى)).
[11] قوله: ((☺)) ليس في (ص).
[12] قوله ((صلى)) ليس في (م).
[13] قوله: ((والله أعلم أنه...صلى فكانت العنزة)) ليس في (ص).
[14] في (ص): ((للمتعلم)).