شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الرجل يوضئ صاحبه

          ░35▒ باب الرَّجُل يُوَضِّئُ صَاحِبَهُ. /
          فيه: ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ أُسَامَةَ: (أَنَّ النبي صلعم لَمَّا أَفَاضَ مِنْ عَرَفةَ عَدَلَ إلى الشِّعْبِ، فَقَضَى حَاجَتَهُ، قَالَ أُسَامَةُ: فَجَعَلْتُ أَصُبُّ(1) عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ أَتُصَلِّي؟ قَالَ: الصلاة(2) أَمَامَكَ). [خ¦181]
          وفيه: الْمُغِيرَة: (أَنَّهُ كَانَ مَعَ النبي(3) صلعم فِي سَفَره(4) وَأَنَّهُ ذَهَبَ لِحَاجته(5)، وَأَنَّ الْمُغِيرَةَ جَعَلَ يَصُبُّ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ، فَغَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ(6)، وَمَسَحَ على الْخُفَّيْنِ). [خ¦182]
          قوله: (فَجَعَلْتُ أَصُبُّ الماءَ عَلَيْهِ وَيَتَوَضَّأُ) فيه ما تُرجم به وهو قول جماعة العلماء(7)، وهذا الباب ردٌّ لِمَا روي عن عمر وعلي أنهما نهيا أن يستقَى لهما الماء لوضوئهما وقالا: نكره أن يَشْرَكنا في الوضوء أحد، ورويا ذلك عن النبي صلعم، ولِمَا روي عن ابن عمر(8): ما أبالي أعانَنِي رجل على طهوري(9) أو على ركوعي وسجودي، وهذا كله مردود بآثار هذا الباب. قال الطبري: وقد صح عن ابن عمر أن ابن عباس صب على يدي عمر الوضوء بطريق مكة حين سأله عن المرأتين اللتين تظاهرتا على رسول الله صلعم، وثبت عن ابن عمر خلاف ما ذُكر(10) عنه، وروى(11) شعبة عن أبي بشر(12) عن مجاهد أنه كان يسكب على ابن عمر الماء فيغسل رجليه، وهذا أصح مما خالفه عن ابن عمر لأن راويه أيفع وهو مجهول، والحديث عن علي لا يصح لأن راويه النضر بن ميمون عن أبي الجَنُوب عن علي، وهما غير حجة في الدين فلا يعتد بنقلهما، ولو صح ذلك عن عمر لم يكن بالذي يبيح لابن عباس صب الماء على يديه للوضوء إذ ذاك أقرب للمعونة(13) من استقاء الماء له، ومحال أن يمنع عمر استقاء الماء له(14) ويبيح صب الماء عليه للوضوء مع سماعه من النبي صلعم الكراهيَّة(15) لذلك.
          وممن كان يستعين على وضوئه بغيره من السلف قال الحسن: رأيت عثمان أمير المؤمنين يُصب عليه من إبريق، وفعله عبد الرحمن بن أَبْزَى والضحاك بن مُزَاحم، وقال أبو الضحى: لا بأس للمريض أن توضِّئه الحائض، قال غيره: واستدل البخاري من صب الماء عليه عند الوضوء أنه يجوز للرجل أن يوضئه غيره لأنه لما لزم المتوضئ اغتراف الماء من الإناء لأعضائه وجاز له أن يكفيه ذلك(16) غيره بدليل صب أسامة الماء على رسول الله صلعم(17) لوضوئه، والاغتراف بعض عمل الوضوء، فكذلك يجوز سائر الوضوء، وهذا(18) من باب القربات التي يجوز أن يعملها الرجل عن غيره بخلاف الصلاة، ولما أجمعوا أنه جائز للمريض أن يوضئه غيره وييممه غيره إذا لم يستطع، ولا يجوز(19) أن يصلي عنه إذا لم يستطع(20) دل أن حكم الوضوء بخلاف(21) حكم الصلاة.


[1] زاد في (م) و (ص): ((الماء)).
[2] في (م) و (ص): ((المصلى)).
[3] في (م): ((رسول الله)).
[4] في (م) و (ص): ((سفر)).
[5] في (م): ((لحاجة له)).
[6] في (م): ((رأسه)).
[7] في (م): ((الفقهاء)).
[8] زاد في (م) و (ص): ((أنه قال)).
[9] في (م): ((وضوئي)).
[10] في (م): ((روي)).
[11] في (م): ((روى)).
[12] في (ز): ((بشير)) والمثبت من (م).
[13] زاد في (م): ((عليه)).
[14] قوله ((له)) ليس في (م).
[15] في (م): ((الكراهة)).
[16] قوله ((ذلك)) ليس في (م).
[17] قوله: ((صلعم)) ليس في (ص).
[18] في (م): ((هذا)).
[19] زاد في (م): ((له)).
[20] قوله: ((ولا يجوز أن يصلي عنه إذا لم يستطع)) ليس في (ص).
[21] في (م): ((خلاف)).