شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب الوضوء ثلاثًا ثلاثًا

          ░24▒ باب الْوُضُوء ثَلاثًا ثَلاثًا.
          فيه: عُثْمَانَ أنّه تَوَضَّأَ ثَلاثًا ثَلاثًا ثُمَّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم: (مَنْ تَوَضَّأَ نَحْوَ وُضُوئِي هَذَا ثُمَّ صَلَّى رَكْعَتَيْنِ لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا نَفْسَهُ، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ) وَقَالَ مرة: لأُحَدِّثَنكُمْ حَدِيثًا لَوْلا آيَةٌ في كتاب الله(1) مَا حَدَّثْتُكُمُوهُ، سَمِعْتُ النبي صلعم يَقُولُ: (لا يَتَوَضَّأُ رَجُلٌ مسلمٌ(2) فيُحْسِنُ وُضُوءَهُ وَيُصَلِّي الصَّلاةَ إِلا غُفِرَ لَهُ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الصَّلاةِ حَتَّى يُصَلِّيَهَا). [خ¦159] [خ¦160]
          قَالَ عُرْوَةُ: الآيَةُ {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلَ اللهُ}[البقرة:174].
          قال الطحاوي: في(3) هذه الأحاديث دليل أن المفترض من الوضوء هو مرة مرة، وما زاد على ذلك فهو لإصابة الفضل لا الفرض، وأن المرتين والثلاث(4) من ذلك على الإباحة، فمن شاء توضأ مرة ومن شاء مرتين ومن شاء ثلاثًا وهذا قول أهل العلم جميعًا لا نعلم بينهم في ذلك خلافًا(5)، وقد تقدم هذا المعنى في(6) كتاب الوضوء والحمد لله.
          وفي حديث عثمان من الفقه أنه فرضٌ على العالِم تبليغُ ما عنده من العلم وبثُّه في الناس لأن الله تعالى(7) قد توعد الذين يكتمون ما أنزل الله من البينات والهدى باللعنة من الله وعباده، وأخَذَ الميثاق على العلماء لَيُبَيِّنُنَّه للناس ولا يكتمونه، وهذه الآية وإن كانت نزلت في أهل الكتاب فقد دخل فيها(8) كل من علم علمًا تعبد الله العباد(9) بمعرفته ولزمه مِن بثِّه وتبليغِه ما لزم أهل الكتاب من ذلك، والله الموفق(10).
          قال المُهَلَّب: فيه(11) أن الإخلاص لله في العبادة وترك الشغل بأسباب الدنيا يوجب عليه(12) الغفران ويتقبله من عبده، وإذا صح هذا وجب أن يكون مَن لَهَا في صلاته عما هو فيه وشغل نفسه بالأماني فقد أتلف أجر عمله، وقد وبخ الله بذلك قومًا فقال تعالى: {لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ}[الأنبياء:3]وقد جاء أن الله لا يقبل الدعاء من قلبٍ لاهٍ، قال غيره: وأما من وسوس له الشيطان وحدث نفسه في صلاته ناسيًا دون قصد منه لذلك فإنه يُرجى أن تقبل صلاته ولا تبطل، وتكون دون صلاة الذي لم يحدث نفسه بدليل أن النبي صلعم قد اشتغل باله في الصلاة حتى سها، وهذا قَلَّما يسلم منه أحد، وقال(13) صلعم: ((إن الشيطان لا يزال بالمرء في صلاته يذكِّره ما لم يكن يَذْكُر حتى لا يدري كم صلى)) وقوله في حديث عثمان: (لا يُحَدِّثُ فِيهِمَا(14) نَفْسَهُ) يدل على هذا المعنى؛ لأنه(15) ما ضمنه لمراعي ذلك في صلاته من الغفران يدل على أنه قلَّما تسلم صلاة(16) من حديث نفس.


[1] قوله ((في كتاب الله)) ليس في (م).
[2] قوله ((مسلم)) ليس في (م).
[3] قوله ((في)) ليس في (م).
[4] في (ز) و (ص): ((الثلاثة)) والمثبت من (م).
[5] في (ص): ((اختلافًا)).
[6] زاد في (م): ((أول)).
[7] قوله: ((تعالى)) ليس في (ص).
[8] في (م): ((دخل في معناها)).
[9] في (ص): ((تُعبِّد العباد)).
[10] قوله ((من ذلك والله الموفق)) ليس في (م).
[11] في (ص): ((وفيه)).
[12] في (م) و (ص): ((يوجب الله عليه)).
[13] في (م) و (ص): ((وقد قال)).
[14] في (م) و (ص): ((فيها)).
[15] في (م): ((لأن)).
[16] في (م): ((صلاته)).