شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من تبرز على لبنتين

          ░12▒ باب مَنْ تَبَرَّزَ على لَبِنَتَيْنِ.
          فيه: ابْنُ عُمَرَ(1): إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ: إِذَا قَعَدْتَ على حَاجَتِكَ فَلا تَسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ وَلا بَيْتَ الْمَقْدِسِ. [خ¦145]
          فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ(2): (لَقَدِ ارْتَقَيْتُ يَوْمًا(3) على ظَهْرِ بَيْتٍ لَنَا فَرَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلعم على لَبِنَتَيْنِ مُسْتَقْبِلًا بَيْتَ الْمَقْدِسِ بِحَاجَتِهِ) وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ على أَوْرَاكِهِمْ؟ فَقُلْتُ: لا أَدْرِي وَاللهِ(4).
          قال المؤلف: أما قول ابن عمر: إن ناسًا يقولون إذا قعدت بحاجتك(5) فلا تستقبل القبلة ولا بيت المقدس، فرواه سعيد بن أبي مريم قال(6): حدثنا دواد بن عبد الرحمن قال: حدثنا عَمْرو بن يحيى المازني قال: حدثنا أبو زيد مولى بني ثعلبة عن مَعْقِل بن أبي مَعْقِل الأسدي: ((أن رسول الله(7) نهى أن تستقبل القبلتان بغائط أو بول)) ولم يقل بهذا الحديث أحد من الفقهاء(8) إلا النَّخَعِي وابن سيرين ومجاهد فإنهم كرهوا أن يستقبل أحدٌ القبلتين أو يستدبرهما بغائط أو بول(9): الكعبة وبيت المقدس، وهؤلاء غاب عنهم حديث ابن عمر وهو يدل على(10) أن النهي إنما أريد به الصحاري لا البيوت، ولم يروِ أحد عن النبي صلعم أنه فعل(11) ذلك في الصحاري، وإنما روي(12) أنه فعله(13) في البيوت، وقال أحمد بن حنبل: حديث ابن عمر ناسخ للنهي(14) عن استقبال بيت المقدس واستدباره بالغائط والبول، والدليل على هذا ما روى مروان الأصفر عن ابن عمر أنه أناخ راحلته مستقبل بيت المقدس ثم جلس يبول إليها، فقلت: يا أبا عبد الرحمن أليس قد نهي عن هذا؟ قال: إنما نهي عن هذا في الفضاء، وأما إذا كان بينك وبين القبلة شيء يسترك فلا بأس، وروى وكيع وعبد الله بن موسى عن عيسى بن أبي عيسى الحنَّاط قال قلت للشعبي: إن أبا هريرة يقول: لا تستقبلوا القبلة ولا تستدبروها، وقال ابن عمر: كانت(15) مني التفاتة فرأيت النبي صلعم في كَنيفه مستقبل القبلة، فقال الشَّعبي: صدق ابن عمر وصدق أبو هريرة، قول أبي هريرة في البَرِّية وقول ابن عمر في الكُنُف، وأما كنفهم(16) هذه فلا قبلة لها، ودلت هذه الآثار على أن حديث أبي أيوب مخصص بحديث ابن عمر لا منسوخ به، وسيأتي اختلاف العلماء في(17) هذه الأحاديث في أبواب القبلة في كتاب الصلاة عند(18) حديث أبي أيوب إن شاء الله تعالى(19).
          وأما قوله: (إِنَّ نَاسًا يَقُولُونَ كذَا) ففيه دليل على أن الصحابة كانوا يختلفون في معاني السنن، وكان كل واحد منهم(20) يستعمل ما سمع على عمومه، فمن هاهنا وقع بينهم الاختلاف، وقال ابن القصار إن قيل: كيف جاز لابن عمر أن ينظر إلى مقعد النبي صلعم؟ فالجواب أنه يجوز أن تكون كانت(21) منه التفاتة فرآه ولم يكن قاصدًا لذلك فنقل ما رأى، وقصد ذلك(22) لا يجوز كما لا يتعمد الشهود النظر إلى الزنا ثم قد يجوز أن تقع أبصارهم عليه ويجوز أن يتحملوا الشهادة بعد ذلك، وقد يجوز أن يكون ابن عمر قصد لذلك ورأى رأسه دون ما عدا ذلك من بدنه(23)، ثم تأملَ قعوده فعرف كيف هو جالس ليستفيد فعلَه فنقل ما شاهده(24)، وقوله: (لَعَلَّكَ مِنِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ على أَوْرَاكِهِمْ) يعني الذي يسجد ولا يرتفع عن الأرض لاصقًا بها.


[1] زاد في (م): ((قال)).
[2] قوله ((فَقَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ)) ليس في (م).
[3] قوله ((يوما)) ليس في (م).
[4] قوله ((وَقَالَ: لَعَلَّكَ مِنِ الَّذِينَ يُصَلُّونَ على أَوْرَاكِهِمْ؟ فَقُلْتُ: لا أَدْرِي وَاللهِ)) ليس في (م).
[5] في (م): ((على حاجتك))، وفي (ص): ((لحاجتك)).
[6] قوله ((قال)) ليس في (م).
[7] في (م): ((النبي)).
[8] في (م): ((ولم يقل أحد من الفقهاء بهذا الحديث)).
[9] في (م): ((ببول أو غائط)).
[10] قوله ((على)) ليس في (م).
[11] في (م): ((أن النبي ◙ فعل)).
[12] قوله ((روي)) ليس في (م).
[13] في (ص): ((وإنما فعله)).
[14] في (م): ((حديث ابن عمر هذا نسخ النهي)).
[15] في (م): ((حانت)) ونبه إليه في (ص) في نسخة.
[16] في (م) و (ص): ((كنفكم)).
[17] زاد في (م): ((تأويل)).
[18] زاد في (م) و (ص): ((ذكر)).
[19] قوله: ((تعالى)) ليس في (ص).
[20] قوله ((منهم)) ليس في (م).
[21] في (م): ((حانت)) ونبه إليه في (ص) في نسخة.
[22] في (م): ((هذا)).
[23] في (م): ((ما عداه من بدنه)).
[24] في (م): ((شاهد)).