شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب من مضمض واستنشق من غرفة واحدة

          ░41▒ باب مَنْ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ غَرْفَةٍ وَاحِدَةٍ.
          فيه: عَبْد اللهِ بْن زَيْدٍ: (أَنَّهُ غَسَلَ يَدَيْهِ، ثُمَّ مَضْمَضَ وَاسْتَنْشَقَ مِنْ كَفَّةٍ(1) وَاحِدَةٍ، فَعَلَ ذَلِكَ ثَلاثًا، ثُمَّ غَسَلَ يَدَيْهِ(2) إلى الْمِرْفَقَيْنِ، وَمَسَحَ بِرَأْسِهِ مَا أَقْبَلَ وَمَا أَدْبَرَ، وَغَسَلَ رِجْلَيْهِ إلى الْكَعْبَيْنِ ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا وُضُوءُ رَسُولِ اللهِ صلعم). [خ¦191]
          وترجم له: باب مَسْحِ الرَّأْسِ مسحة واحدة.
          وقال فيه: (فَمَسَحَ بِرَأْسِهِ(3)، فَأَقْبَلَ بِيَدَه وَأَدْبَرَ بِهِا). [خ¦192]
          في هذا الحديث أنه مضمض واستنشق ثلاثًا بخلاف ما رواه عثمان وابن عباس في صفة وضوء النبي صلعم ولم يذكرا مرتين ولا ثلاثًا، فدل أن المرة الواحدة تجزئ في ذلك، وإنما اختلف فعله في ذلك ليُري أمته التيسير فيه، وأن الوضوء لا حَدَّ في المفروض منه والمسنون(4) إلا بالإسباغ.
          واختلف العلماء في المستحب والمسنون من مسح الرأس، فذهب جمهور العلماء(5) أن مسح الرأس مسحة واحدة، وقال مالك: رَدُّ يديه من مؤخر رأسه إلى مقدمه مسنون لأن مسح جميع الرأس هو أن يبدأ من مقدمه إلى مؤخره، فرده يديه(6) بعد ذلك إلى مقدمه مسنون، ولو بدأ بالمسح من مؤخر رأسه إلى مقدمه(7) لكان المسنون أن يرد يديه من المقدم إلى المؤخر، قال ابن القصار: وهذا مذهب ابن عمر والحسن البصري وأحمد وبه قال أبو حنيفة، وقال الشافعي: المسنون ثلاث مسحات لمن توضأ ثلاثًا ثلاثًا، والحجة على الشافعي أن المستحب والمسنون يحتاجان إلى شرع، وفي حديث عبد الله بن زيد وابن عباس أنه مسح ◙ رأسه مرة واحدة، وفي حديث عثمان _وإن كان فيه أنه توضأ ثلاثًا ثلاثًا_ فيه(8) أنه مسح برأسه(9) مرتين بدأ بمقدم رأسه ثم ذهب بهما إلى قفاه ثم ردهما إلى حيث بدأ، وهو خلاف قول الشافعي، وقد توهم بعض الناس في حديث عبد الله بن زيد أن قوله فيه: (ثم مسح رأسه فأقبل بهما وأدبر) أنه بدأ من مؤخر(10) رأسه لقوله فأقبل بهما، قاله الحسن بن حي، وتوهم غيره أنه بدأ من وسط رأسه فأقبل بيديه وأدبر، وهذه كلها ظنون، وفي قوله: (بَدَأَ بِمُقَدَّم رَأْسِهِ) ما يرفع الإشكال، وقد تقدم هذا المعنى في باب مسح الرأس.
          وقوله: (مِنْ كَفَّةٍ وَاحِدَة) أراد من غرفة واحدة أو حَفنة واحدة فاشتق لذلك من اسم الكف عبارة عن ذلك المعنى كما يسمى الشيء باسم ما كان منه سبب، ولا يعرف في كلام العرب إلحاق هاء التأنيث في الكف، والله أعلم.


[1] في (ص): ((كف)).
[2] زاد في (م): ((مرتين)).
[3] في (م): ((رأسه)).
[4] زاد في (م): ((منه)).
[5] زاد في (م): ((إلى)).
[6] في (م): ((يده)).
[7] قوله ((إلى مقدمه)) ليس في (م).
[8] في (م): ((ففيه)).
[9] في (م): ((رأسه)).
[10] في (م): ((بمؤخر)).