شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب: لا يستنجى بروث

          ░21▒ باب لا يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ.
          فيه: عَبْد اللهِ يَقُولُ: (أَتَى النبيُّ صلعم الْغَائِطَ، فَأَمَرَنِي أَنْ آتِيَهُ بِثَلاثَةِ أَحْجَارٍ، فَوَجَدْتُ حَجَرَيْنِ وَالْتَمَسْتُ الثَّالِثَ فَلَمْ أَجِدْهُ، فَأَخَذْتُ رَوْثَةً فَأَتَيْتُهُ بِهَا، فَأَخَذَ الْحَجَرَيْنِ وَأَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: هَذَا رِكْسٌ). [خ¦156]
          واختلف العلماء في عدد الأحجار، فذهب مالك وأبو حنيفة إلى أنه إن اقتصر على دون ثلاثة أحجار مع الإنقاء جاز، وقال الشافعي: لا يجوز الاقتصار على دون ثلاثة أحجار وإن أنقى، قال الطحاوي: وفي هذا الحديث دليل على أن عدد الأحجار ليس فرضًا(1)؛ وذلك أنه صلعم قعد للغائط في مكان ليس فيه أحجار لقوله لعبد الله: (نَاوِلْني ثَلاثَةَ أَحْجَارٍ) ولو كان بحضرته من ذلك شيء لما احتاج أن يناوله من غير ذلك المكان، فلما أتاه عبد الله بحجرين وروثة فألقى الروثة وأخذ الحجرين دل ذلك على أن الاستنجاء(2) بهما يجزئ(3) مما يجزئ منه الثلاثة لأنه لو لم يجزِ إلا الثلاثة لما اكتفى بالحجرين ولأمر عبد الله أن يبغيه ثالثًا، وقال(4) ابن القصار: وقد روي في بعض الآثار التي لا تصح أنه أتاه بثالث، فأي(5) الأمرين كان فالاستدلال لنا به صحيح لأنه صلعم اقتصر للموضعين على ثلاثة أحجار، فحصل لكل واحد منهما أقل من ثلاثة لأنه لم يقتصر على الاستنجاء لأحد الموضعين ويترك الآخر، قال: ويحتمل أن يكون أراد بذكر الثلاثة أن الغالب وجود الإنقاء بها كما ذكر في المستيقظ من النوم أن يغسل يده ثلاثًا قبل إدخالها الإناء على غير وجه الشرط، والدليل على أن الثلاثة ليست بحدٍّ أنه لو لم يُنْقِ بها لزاد عليها، فنستعمل الأخبار كلها فنحمل أخبارنا على جواز الاقتصار على الثلاثة إذا أنقت ولا يقتصر عليها إذا لم تُنق، فعلم أن الغرض(6) الإنقاء، ويجوز أن تحمل الثلاثة على الاستحسان وإن أنقى بما دونها لأن الاستنجاء مسح، والمسح في الشرع لا يوجب التكرار، دليله مسح الرأس والخفين، وأيضًا فإنها نجاسة عفي عن أثرها فوجب ألا يجب تكرار المسح فيها، وأيضًا فإن الحجر الواحد لو كان له ثلاثة أحرف قام مقام الثلاثة الأحجار فكذلك يقوم الحجر والحجران مقام الثلاثة إذا حصل بها قلع النجاسة.
          وقوله: (هَذَا رِكْسٌ) يمكن أن يريد معنى الرجس(7)، ولم أجد لأهل النحو(8) شرحَ هذه الكلمة، والنبي(9) صلعم / أعظم الأمة في اللغة.


[1] في (ص): ((بفرض)).
[2] في (م): ((الاستجمار)).
[3] في (م) إشارة الى نسخة: ((تجزي)).
[4] في (ص): ((قال)).
[5] في (م): ((وأي)).
[6] في (ص): ((الفرض)) وفي (م) تحتمل.
[7] زاد في (م): ((والنجاسة)).
[8] في (م): ((اللغة)).
[9] في (ص): ((والرسول)).