شرح الجامع الصحيح لابن بطال

باب البول قائِمًا وقاعدًا

          ░60▒ بَابُ: البَوْلِ قَائِمًا وَقَاعِدًا.
          فيهِ: حُذَيْفَةُ قَالَ: (أَتَى النَّبيُّ صلعم سُبَاطَةَ قَوْمٍ، فَبَالَ قَائِمًا، فَدَعَا بِمَاءٍ، فَجِئْتُهُ بِهِ فَتَوَضَّأَ). [خ¦224]
          في نصِّ الحديث جواز البول قائمًا، وأمَّا البول قاعدًا فمن(1) دليل الحديث؛ لأنَّه إذا جاز البول قائمًا فقاعدًا أجوز لأنَّه أمكن. واختلف العلماء في البول قائمًا، فرُوِيَ عن عُمَرَ بن الخَطَّاب وعليِّ بن أبي طالبٍ وزيدِ بنِ ثابتٍ وابنِ عُمَرَ وسَهْلِ بنِ سَعْدٍ وأَنَسٍ بنِ مالكٍ وأبي هريرةَ وسَعْدِ بنِ عُبَاْدَةَ: أنَّهم بالوا قيامًا، ورُوِيَ مثله عن ابنِ المُسَيَّب وابنِ سِيرِين وعُرْوَةَ بنِ الزُّبَيْرِ. وكرهت طائفةٌ البول قائمًا، ذكر(2) ابنُ أبي شَيْبَةَ في «مُصَنَّفه» إنكار عائشةَ أن يكون رَسُولُ اللهِ صلعم بال قائمًا، وعن عُمَرَ بن الخَطَّاب أنَّه(3) قال: ما بُلْتُ قائمًا منذُ(4) أسلمت. وعن مجاهدٍ(5) قال: مَا بَالَ رَسُولُ اللهِ صلعم قائمًا قَطُّ إِلَّا مَرَّةً في كَثِيْبٍ أَعْجَبَهُ، ورُوِيَ عن ابن مَسْعُودٍ أنَّه قال: مِن الجفاءِ أن تبولَ وأنت قائمٌ. وهو قول الشَّعْبِيِّ، وكرهه الحَسَنُ، وكان سَعْدُ بن إبراهيمَ لا يجيز شهادة مَن بال قائمًا. وفيه قولٌ ثالثٌ: وهو(6) أنَّ البول إذا(7) كان في مكان لا يتطاير عليه منه شيءٌ فلا بأس به، وإن كان في مكان يتطاير عليه فهو مكروهٌ، هذا قول مالكٍ، وهو دليل الحديث؛ لأنَّه ◙ أتى سُبَاطَةَ قومٍ فبالَ قائمًا. والسُّبَاطَةُ: المزبلة، والبول فيها لا يكاد يتطاير منه كبير شيءٍ(8)، فلذلك بال قائمًا ◙. ومن كره البول قائمًا فإنَّما كرهه خشية ما يتطاير إليه مِن بوله، ومَن أجازه قائمًا فإنَّما أجازه خوف ما يُحدثه البائل جالسًا في الأغلب مِن الصَّوت الخارج عنه إذا لم يمكنه التَّباعد عمَّن يسمعه، وقد جاء عن عُمَرَ بنِ الخَطَّاب أنَّه قال: البولُ قائمًا أحصنُ(9) للدُّبرِ. وكان(10) رَسُولُ اللهِ صلعم إذا بالَ قائمًا لم يبعدْ عن النَّاس ولا أبعدهم عن نفسه، بل أمر حُذَيْفَةَ بالقرب منه إذا(11) بال قائمًا. ورُوِيَ عنه صلعم مِن مرسل عَطَاءٍ وعُبَيْدِ بنُ عُمَيْرٍ أنَّه بالَ جالسًا فدَنَا منه رَجَلٌ فقال(12): ((تَنَحَّ، فَإِنَّ كُلَّ بَاِئِلَةٍ تُفِيْحُ(13))). ويُرْوَى: ((تُفِيْسُ(14))). وقالَ إِسْحَاقُ بن راهويه: لا ينبغي لأحدٍ(15) يتقرَّب من الرَّجل يتغوَّط أو يبول جالسًا لقول النَّبيِّ صلعم: ((تَنَحَّ، فَإِنَّ كُلَّ بَائِلَةٍ تُفِيْحُ(16))).


[1] في (م): ((فهو من)).
[2] في (م): ((روى)).
[3] قوله ((أنَّه)) ليس في (م).
[4] في (م): ((مذ)).
[5] زاد في المطبوع و(ص): ((أنَّه)).
[6] قوله ((وهو)) ليس في المطبوع.
[7] في (م): ((إن)). في (ص): ((ثالث أنه إذا)).
[8] في (م): ((شيء كبير)).
[9] في (م): ((أحصر)).
[10] في (م): ((فكان)).
[11] في المطبوع و(م) و(ص): ((إذ)).
[12] زاد في (م): ((له)).
[13] في المطبوع: ((تفيخ)).
[14] في (م): ((تفيش)).
[15] زاد في (م): ((أن)).
[16] في المطبوع: ((تُفِيْخُ))، وقوله ((فإنَّ كلَّ بائلةٍ تُفِيْحُ)) ليس في (م).